فلو رآه المؤمنون في الجنة لزم كذبه وهو محال لا يقال إذا كان الجمع للعموم فدخول النفي عليه يفيد سلب العموم ونفي الشمول على ما هو معنى السلب الجزئي لا عموم السلب وشمول النفي على ما هو معنى السلب الكلي فلا يكون إخبارا بأنه لا يراه أحد بل بأنه لا يراه كل أحد والأمر كذلك لأن الكفار لا يرونه لأنا نقول كما يستعمل لسلب العموم مثل ما قام العبيد كلهم ولم آخذ الدراهم كلها كذلك يستعمل لعموم السلب كقوله تعالى * (وما الله يريد ظلما للعالمين) * * (ولا تطع الكافرين والمنافقين) * وكذلك صريح كلمة كل مثل لا يفلح كل أحد ولا أقبل كل درهم ومثل * (والله لا يحب كل مختال فخور) * * (ولا تطع كل حلاف مهين) * وتحقيقه أنه إن اعتبرت النسبة إلى الكل أو لا ثم نفيت فهو لسلب العموم وإن اعتبرت النفي أو لا ثم نسبت إلى الكل فلعموم السلب وكذلك جميع القيود حتى أن الكلام المشتمل على نفي وقيد قد يكون لنفي التقييد وقد يكون لتقييد النفي فمثل ما ضربته تأديبا أي بل إهانة سلب للتعليل والعمل للفعل وما ضربته إكراما له أي تركت ضربه للإكرام تعليل للسلب والعمل للنفي وما جاءني راكبا أي بل ماشيا نفي للكيفية وما حج مستطيعا أي ترك الحج مع الاستطاعة تكييف للنفي وعلى هذا الأصل يبتني أن النكرة في سياق النفي إنما تعم إذا تعلقت بالفعل مثل ما جاءني رجل لا بالنفي مثل قولنا الأمي من لا يحسن من الفاتحة حرفا وأن إسناد الفعل المنفي إلى غير الفاعل والمفعول يكون حقيقة إذا قصد نفي الإسناد مثل ما نام الليل بل صاحبه ومجازا إذا قصد إسناد النفي مثل ما نام ليلي وما صام نهاري وما ربحت تجارته بمعنى سهر وأفطر وخسرت وكذا ما ليلي بنائم وإن كان ظاهره على نفي الإسناد كان المعنى ليلي ساهر وإن متعلق النهي قد يكون قيدا للمنهي مثل لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى وقد يكون قيدا للنهي أي طلب الترك مثل لا تكفر لتدخل اجلنة وإن مثل وما هم بمؤمنين لتأكيد النفي لا لنفي التأكيد وما زيدا ضربت لاختصاص النفي لا لنفي الاختصاص وأغير الله أعبد لاختصاص الإنكار دون العكس وإذا تحقق النفي فالإثبات أيضا كذلك حتى أن الشرط كما يكون سببا لمضمون الجزاء فقد يكون سببا لمضمون الإخبار به والإعلام كقوله تعالى * (وما بكم من نعمة فمن الله) * وإن متعلق الأمر كما يكون قيدا للمطلوب فقد يكون قيدا للطلب مثل صل لأنها فريضة وزك لأنك غني وهذا أصل كثير الشعب غزير الفوائد يجب التنبه له والمحافظة عليه ولم يبينه القوم على ما ينبغي فلذا أشرنا إليه إذا تقرر هذا فنقول كون الجمع المعرف باللام في النفي لعموم السلب هو الشائع في الاستعمال حتى لا يوجد مع كثرته في التنزيل إلا بهذا المعنى وهو اللائق بهذا المقام على ما لا يخفى وثانيهما أي ثاني وجهي التمسك بالآية أن نفي إدراكه بالبصر وارد مورد التمدح مدرج في أثناء المدح فيكون نقيضه وهو الإدراك بالبصر نقصا وهو على الله تعالى محال فيدل هذا الوجه على نفي الجواز والجواب أولا أنه لو سلم عموم الإبصار وكون الكلام لعموم السلب لكن لا نسلم عمومه
(١٢٠)