شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١١٨
في حيز وجهة أو لا فيكون في العين أو متصلا بها ولكان رؤية المؤمنين إياه إما دفعة فيكون متصلا بعين كل أحد بتمامه فيتكثر أو لا بتمامه فيتجزأ أو منفصلا عنها فيكون على مسافة وأما على التعاقب مع استوائهم في سلامة الحواس فيلزم الحجاب بالنسبة إلى البعض ولكان رؤيته إما مع رؤية شيء آخر مما في الجنة فيكون على جهة منه ضرورة أن رؤية الشيئين دفعة لا تعقل إلا كذلك وإما لا معها فيكون ما هو باطن في الدارين مرئيا وما هو ظاهر غير مرئي مع شرائط الرؤية وحديث غلبة شعاع أحد المرئيين إنما يصح في الأجسام والجواب أن لزوم المقابلة والجهة ممنوع وإنما الرؤية نوع من الإدراك يخلقه الله متى شاء ولأي شيء شاء ودعوى الضرورة فيما نازع فيه الجم الغفير من العقلاء غير مسموع ولو سلم في الشاهد فلا يلزم في الغائب لأن الرؤيتين مختلفتان إما بالماهية وإما بالهوية لا محالة فيجوز اختلافهما في الشروط واللوازم وهذا هو المراد بالرؤية بلا كيف بمعنى خلوها عن الشرائط والكيفيات المعتبرة في رؤية الأجسام والأعراض لا بمعنى خلو الرؤية أو الرائي أو المرئي عن جميع الحالات والصفات على ما يفهمه أرباب الجهالات فيعترضون بأن الرؤية فعل من أفعال العبد أو كسب من أكسابه فبالضرورة يكون واقعا بصفة من الصفات وكذا المرئي بحاسة العين لا بد أن يكون له كيفية من الكيفيات نعم يتوجه أن يقال نزاعنا إنما هو في هذا النوع من الرؤية لا في الرؤية المخالفة لها بالحقيقة المسماة عندكم بالانكشاف التام وعندنا بالعلم الضروري قال الثاني الشبهة الثانية شبهة الشعاع والانطباع وهي أن الرؤية إما باتصال شعاع العين المرئي وإما بانطباع الشبح من المرئي في حدقة الرائي على اختلاف المذهبين وكلاهما في حق الباري ظاهر الامتناع فتمتنع رؤيته والجواب أن هذا مما نازع فيه الفلاسفة فضلا عن المتكلمين على ما سبق في بحث القوى ولو سلم فإنما هو في الشاهد دون الغائب إما على تقدير اختلاف الرؤيتين بالماهية فظاهر وإما على تقدير اتفاقهما فلجواز أن يقع أفراد الماهية الواحدة بطرق مختلفة (قال الثالث) الشبهة الثالثة شبهة الموانع وهي أنه لو جازت رؤيته تعالى لدامت لكل سليم الحاسة في الدنيا والآخرة فيلزم أن نراه الآن وفي الجنة على الدوام والأول منتف بالضرورة والثاني بالإجماع وبالنصوص القاطعة الدالة على اشتغالهم بغير ذلك من اللذات وجه اللزوم أنه يكفي للرؤية في حق الغائب سلامة الحاسة وكون الشيء جائز الرؤية لأن المقابلة وانتفاء الموانع من فرط الصغر أو اللطافة أو القرب أو البعد أو حيلولة الحجاب الكثيف أو الشعاع المناسب لضوء العين إنما يشترط في الشاهد أعني رؤية الأجسام والأعراض فعند تحقق الأمرين لو لم تجب الرؤية لجاز أن تكون بحضرتنا جبال شاهقة لا نراها لأن الله تعالى لم يخلق رؤيتها أو لتوقفها على شرط آخر وهذا قطعي البطلان والجواب أنه إن أريد جواز ذلك في نفسه بمعنى كونه من الأمور الممكنة فليس قطعي
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»