شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٢٤
اختلفوا في العلم بحقيقة الله تعالى للبشر أي في معرفة ذاته بكنه الحقيقة فقال بعدم حصوله كثير من المحققين خلاف لجمهور المتكلمين ثم القائلون بعدم الحصول جوزوه خلافا للفلاسفة احتج الأولون بوجهين أحدهما أن ما يعلم منه البشر هو السلوب والإضافات والأحسن أن يقال هو الوجود بمعنى أنه كائن في الخارج والصفات بمعنى أنه حي عالم قادر ونحو ذلك والسلوب بمعنى أنه واحد أزلي أبدي ليس بجسم ولا عرض وما أشبه ذلك والإضافات بمعنى أنه خالق ورازق ونحوهما وظاهر أن ذلك ليس علما يحققه الذات لا يقال الوجود عين الذات عند كثير من المحققين فالعلم به علم به لأنا نقول قد أشرنا إلى أن معنى العلم بوجوده التصديق بأنه موجود ليس بمعدوم لا تصور وجوده الخاص بحقيقته وكذا الكلام في الصفات وثانيهما أن ذاته المخصوصة جزئي حقيقي يمنع تصوره الشركة فيه ولا شيء مما يعلم منه كذلك ولهذا يفتقر في بيان التوحيد أي نفي الشركة إلى الدليل ولو كان المعلوم منه يمنع الشركة لما كان كذلك وما يقال أن الواجب كلي يمتنع كثرة أفراده فمعناه أن مفهوم الواجب كذلك لا الذات المخصوص الذي يصدق عليه أنه واجب ويرد على الوجهين أنا لا نسلم أن معلوم كل أحد من البشر ما ذكرتم ومن أين لكم الإحاطة بأفراد البشر ومعلوماتهم وقد يقال على الأخير أن من جملة ما علم منه الوحدانية بأدلتها القاطعة ومع اعتبار ذلك لا تتصور الشركة ولا الافتقار إلى بيان التوحيد فيجاب بأن هذا أيضا كلي إذ لا يمتنع فرض صدقه على كثيرين وإن كان المفروض محالا نعم يتوجه أن يقال الكلام في حقيقة الواجب لا في هويته ولهذا ترى القائلين بامتناع المعلومية يجعلون امتناع اكتسابه بالحد والرسم مبنيا على أنه لا تركب فيه وأن الرسم لا يفيد الحقيقة لا على أن الشخص لا يعرف بالحد والرسم والقائلين بحصول المعلومية يقولون أنه لا حقيقة له سوى كونه ذاتا واجب الوجود يجب كونه قادرا عالما حيا سميعا بصيرا إلى غير ذلك من الصفات حتى اجترأ المشايخية من المعتزلة فقالوا إنا نعلم ذاته كما يعلم هو ذاته من غير تفاوت وهذا البحث عند المتكلمين يعرف بمسألة المائية وينسب القول بها إلى ضرار حيث قال أن الله تعالى مائية لا يعلمها إلا هو ولو رؤي لرؤي عليها وفي قدرة الله تعالى أن يخلق في الخلق حاسة سادسة بها يدركون تلك المائية والخاصية وحين رؤي ذلك عن أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه أنكر أصحابه هذه الرواية أشد إنكار وذلك لأن المائية عبارة عن المجانسة حيث يقال ما هو بمعنى أي جنس هو من أجناس الأشياء والله تعالى منزه عن الجنس لأن كل ذي جنس مماثل لجنسه ولما تحته من الأنواع والأفراد فالقول به تشبيه وفسره بعضهم بأن الله تعالى يعلم نفسه بمشاهدة لا بدليل ولا بخبر ونحن نعلمه بدليل وخبر ومن يعلم الشيء بالمشاهدة يعلم منه مالا يعلمه من لا يشاهد وليس هناك شيء هو المائية ليلزم التشبيه وكان أصحابنا يعدلون عن لفظ المائية إلى لفظ الخاصية كما قال القاضي أن خاصيته غير معلومة لنا الآن وهل تعلم بعد رؤيته
(١٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 ... » »»