في الجنة فقد تردد احترازا عن التشبيه قال ثم هو كاف إشارة إلى جواب استدلال القائلين بوقوع العلم بحقيقته تحقيقا بأنا نحكم عليه بكثير من الصفات والتنزيهات والأفعال والحكم على الشيء يستدعي تصوره من حيث أخذ محكوما عليه وصح الحكم عليه فإذا كان الحكم على الحقيقة لزم العلم بالحقيقة وإلزاما بأن قولكم حقيقته غير معلومة اعتراف بكونها معلومة وإلا لم يصح الحكم عليها وأيضا الحكم إما إنها معلومة أو ليست بمعلومة وأيا ما كان يثبت المطلوب وتقرير الجواب أنها معلومة بحسب هذا المفهوم أعني كونها حقيقة الواجب وهذا أيضا من العوارض والوجوه والاعتبارات وكذا مفهوم الذات والماهية والكلام فيما يصدق عليه أنه الحقيقة والذات قال وأما الجواز تمسكت الفلاسفة في امتناع العلم بحقيقته بوجهين أحدهما أن العلم هو ارتسام صورة المعلوم في النفس أي ماهيته الكلية المنتزعة من الوجود العيني بحذف المشخصات بحيث إذا وجدت كانت ذلك الشيء وليست للواجب ماهية كلية معروضة للتشخص على ما تقرر في موضعه ولو فرض ذلك لكان الواجب مقولا على تلك الصور المأخوذة في الأذهان فيصير كثيرا ويبطل التوحيد وأجيب بأنا لا نسلم أن العلم بارتسام الصورة ولو سلم فلا كذلك العلم بالواجب ولا علم الواجب ولو سلم فالمنافي للتوحيد تعدد أفراد الواجب لا الصور المأخوذة منه والمخل بالشخصية إمكان فرض صدق المفهوم على الكثيرين لا صدق الموجود العيني على الصور وثانيهما أن تصور الشيء إما أن يحصل بالبديهة وهو منتف في الواجب وفاقا وإما بالحد وهو إنما يكون للمركب من الجنس والفصل والواجب ليس كذلك وإما بالرسم وهو لا يفيد العلم بالحقيقة والكلام فيه وأجيب بأنا لا نسلم انحصار طرق التصور في ذلك بل قد يحصل بالإلهام أو بخلق الله تعالى العلم الضروري بالكسبيات أو بصيرورة الأشياء مشاهدة للنفس عند مفارقتها البدن كسائر المجردات ولو سلم فالرسم وإن لم يستلزم تصور الحقيقة لكن قد يفضي إليه كما سبق قال الفصل الخامس في أفعاله وفيه مباحث أولها في خلق أفعال العباد بمعنى أنه هل من جملة أفعال الله تعالى خلق الأفعال الاختيارية التي للعباد بل لسائر الأحياء مع الاتفاق على أنها أفعالهم لا أفعاله إذ القائم والقاعد والآكل والشارب وغير ذلك هو الإنسان مثلا وإن كان الفعل مخلوقا لله تعالى فإن الفعل إنما يستند حقيقة إلى من قام به لا إلى من أوجده ألا يرى أن الأبيض مثلا هو الجسم وإن كان البياض بخلق الله وإيجاده ولا عجب في خفاء هذا المعنى على عوام القدرية وجهالهم حتى شنعوا به على أهل الحق في الأسواق وإنما العجب في خفائه على خواصهم وعلمائهم حتى سودوا به الصحائف والأوراق وبهذا يظهر أن تمسكهم بما ورد في الكتاب والسنة من إسناد
(١٢٥)