شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١١٩
البطلان بل قطعي الصحة والشرطية المذكورة ليست لزومية بل اتفاقية بمنزلة قولنا لو لم تجب الرؤية عند تحقق الشرائط لكان العالم ممكنا وإن أريد جوازه عند العقل بمعنى تجويز ثبوت الجبال وعدم جزمه بانتفائها فاللزوم ممنوع فإن انتفاءها من العاديات القطعية الضرورية كعدم جبل من الياقوت وبحر من الزئبق ونحو ذلك مما يخلق الله تعالى العلم الضروري بانتفائها وإن كان ثبوتها من الممكنات دون المحالات وليس الجزم به مبنيا على العلم بأنه تجب الرؤية عند وجود شرائطها لحصوله من غير ملاحظة ذلك بل مع الجهل بذلك سلمنا وجوب الرؤية عند تحقق الشرائط المذكورة في حق الشاهد لكن لا نسلم وجوبها في الغائب عند تحقق الأمرين لجواز أن تكون الرؤيتان مختلفتين في الماهية فتختلفان في اللوازم أو تكون رؤية الخالق مشروطة بزيادة قوة إدراكية في الباصرة لا يخلقها الله إلا في الجنة في بعض الأزمان ثم لا يخفى ضعف ما ذكره بعض المعتزلة من أن العينين أعني الدنيوية والأخروية لما كانتا مثلين لزم تساويهما في الأحكام واللوازم والشروط وأن الشروط والموانع يجب أن تكون منحصرة فيما ذكرنا للدوران القطعي ولأنه إذا قيل أن لنا هناك مرئيا آخر مقرونا بجميع ما ذكر من الشرائط وانتفاء الموانع إلا أنه لا يرى لانتفاء شرط أو تحقق مانع غير ذلك فنحن نقطع ببطلانه واحتج الإمام الرازي على بطلان انحصار الشرائط فيما ذكروه بوجهين أحدهما مبناه على قاعدة المتكلمين أعني تركب الجسم من أجزاء لا تتجزأ أنا نرى الجسم الكبير من البعيد صغيرا وما ذاك إلا لرؤية بعض أجزائه دون البعض مع استواء الكل في الشرائط المذكورة فلولا اختصاص البعض بشرط وارتفاع مانع لما كان كذلك وثانيهما أنا نرى ذرات الغبار عند اجتماعها ولا نراها عند تفرقها مع حصول الشرائط المذكورة في الحالين فعلمنا اختصاصها حالة التفرق بانتفاء شرط أو وجود مانع لا يقال بل ذلك لانتفاء شرط الكثافة وتحقق مانع الصغر لأنا نقول فحينئذ تكون رؤية كل ذرة مشروطة بانضمام الأخرى إليها وهو دور وأجيب عن الأول بمنع التساوي فإن أجزاء الجسم متفاوتة في القرب والبعد من الحدقة فلعل البعض منها تقع في حد البعد المانع من الرؤية بخلاف البعض وعن الثاني بأنه دور معية لا تقدم قال الرابع هذه هي الشبه السمعية وأقواها قوله تعالى * (لا تدركه الأبصار) * والتمسك به من وجهين أحدهما أن إدراك البصر عبارة شائعة في الإدراك بالبصر إسنادا إلى الآلة والإدراك بالبصر هو الرؤية بمعنى اتحاد المفهومين أو تلازمهما بشهادة النقل عن أئمة اللغة والتتبع لموارد الاستعمال والقطع بامتناع إثبات أحدهما ونفي الآخر مثل أدركت القمر ببصري وما رأيته والجمع المعرف باللام عند عدم قرينة العهد والبعضية للعموم والاستغراق بإجماع أهل العربية والأصول وأئمة التفسير وبشهادة استعمال الفصحاء وصحة الاستثناء فالله سبحانه قد أخبر بأنه لا يراه أحد في المستقبل
(١١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 ... » »»