شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٣٤
على كون العلم من لوازم الخلق على الإطلاق بل على تقدير كون الخالق هو اللطيف الخبير فليتأمل وقوله تعالى * (هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض) * لا ينفي خالقا سوى الله على الإطلاق بل بوصف كونه رازقا لنا من السماء والعبد ليس كذلك وأجاب الإمام بأن ملائكة السماء الساعين في إنزال الأمطار رازقون لنا بمعنى التمكين من الانتفاع بأنواع النبات والثمار كما يقال رزق السلطان فلانا فلو كانوا خالقين لأفعالهم لوجد خالق غير الله يرزق من السماء وفيه ضعف وقوله تعالى * (والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا) * يتناول المسيح والملائكة وغيرهم من الأحياء الذين يدعونهم الكفار فيجب أن لا يخلقوا شيئا أصلا وقوله تعالى * (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه) * يدل على أن من سوى الله لم يخلق شيئا وإلا لكان للكفار أن يقولوا نحن خلقنا كثيرا من الحركات والأوضاع والهيئات المحسوسة إن أريد بالإرادة الإبصار وإن أريد الإعلام فجميع الأفعال الظاهرة والباطنة لكن مبنى الوجهين على أن لا يكون الموصول إشارة إلى الأصنام خاصة ومن هذا القبيل قوله تعالى * (ألا له الخلق والأمر) * * (خلق لكم ما في الأرض جميعا) * * (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا) * * (ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) * فإن قيل على الوجوه نحن نجعل العبد موجدا لأفعاله لا خالقا لأن الخلق هو الإيجاد على وجه التقدير العاري عن الخلل وعلى الوجه الذي يقدره وإيجاد العبد ربما يقع على وجه الخلل وعلى خلاف ما قدره قلنا ليس الخلق إلا إيجادا على وجه التقدير أي الإيقاع على قدر مخصوص وفعل العبد ربما يكون كذلك فلو كان هو موجدا له لكان خالقا قال ومنها نحو قوله تعالى حكاية ربنا * (واجعلنا مسلمين لك) * فإن جعل المتعدي إلى مفعولين يكون بمعنى التصيير أي تحصيل صفة مكان صفة فإذا وقع مفعوله الثاني من أفعال العباد أفاد أنها بجعل الله وبخلقه والمعتزلة يجعلون أمثال هذا مجازا عن التوفيق ومنح الألطاف أو الخذلان ومنعها أو التمكين والأقدار ونحو ذلك إلا أنها من الكثرة والوضوح بحيث لا مجال لهذا التأويلات عند المنصف قال ومنها مثل * (فعال لما يريد) * هذه آيات تدل على أن الله تعالى يفعل كل ما يتعلق به إرادته ومشيئته وهي متعلقة بالإيمان وسائر الطاعات أيضا فيجب أن يكون فاعلها أي موجدها هو الله تعالى وحمل الكلام على أنه يفعل ما يريد فعله عدول عن الظاهر (قال ومنها * (كل من عند الله) * هذه آيات مختلفة الأساليب في إفادة المطلوب فالظاهر من قوله تعالى * (وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله) * إن جميع الحسنات والسيئات من الطاعات والمعاصي وغيرها بخلق الله ومشيئته لأن منشأ الاحتياج أعني الإمكان والحدوث مشترك بين الكل بحيث لا ينبغي أن يخفى على العاقل فمالهم لا يفهمون ذلك فعلى هذا يكون قوله بعد ذلك * (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك) * واردا على سبيل الإنكار أي
(١٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 ... » »»