شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٢٨
بقدرة العبد يستلزم جواز المحال وهو محال وفيه نظر ومن تلفيقات الإمام في بيان كون كل ممكن واقعا بقدرة الله تعالى أن الإمكان محوج إلى سبب ولا يجوز أن يكون محوجا إلى سبب لا بعينه لأن غير المعين لا تحقق له في الخارج وما لا تحقق له لا يصلح سببا لوجود شيء فتعين أن يكون محوجا إلى سبب معين ثم الإمكان أمر واحد في جميع الممكنات فلزم افتقارها كلها إلى ذلك السبب والسبب الذي يفتقر إليه جميع الممكنات لا يكون ممكنا بل واجبا ليكون الكل بإيجاده وقد ثبت أنه مختار لا موجب فيكون الكل واقعا بقدرته واختياره وفي بيان كون كل مقدور الله واقعا بقدرته وحده أنه لو لم يقع بقدرة الله تعالى وحده فإما أن يقع بقدرة الغير وحده فيلزم ترجح أحد المتساويين بل ترجح المرجوح لأن التقدير استقلال القدرتين مع أن قدرة الله تعالى أقوى وإما أن يقع بكل من القدرتين فيلزم اجتماع المستقلتين وإما أن لا يقع بشيء منهما وهو أيضا باطل لأن التقدير وقوعه في الجملة ولأن التخلف عن المقتضى لا يكون إلا لمانع وما ذاك إلا الوقوع بالقدرة الثانية فلا ينتفي الوقوع بهما إلا إذا وقع بهما وهو محال وأيضا لو وقع بقدرة الغير لما بقي لله تعالى قدرة على إيجاده لاستحالة إيجاد الموجود فيلزم كون العبد معجزا للرب وهو محال بخلاف ما إذا أوجده الله تعالى بقدرته فإنه يكون تقريرا لقدرته لا تعجيزا قال الثاني الوجه الثاني من الوجوه العقلية أن العبد لو كان موجدا لأفعاله لكان عالما بتفاصيلها واللازم باطل أما الملازمة فلأن الإتيان بالأزيد والأنقص والمخالف ممكن فلا بد لرجحان ذلك النوع وذلك المقدار من مخصص هو القصد إليه ولا يتصور ذلك إلا بعد العلم به ولظهور هذه الملازمة يستنكر الخلق بدون العلم كقوله تعالى * (ألا يعلم من خلق) * ويستدل بفاعلية العالم على عالمية الفاعل وأما بطلان اللازم فلوجوه منها أن النائم تصدر عنه أفعال اختيارية لا شعور له بتفاصيل كمياتها وكيفياتها ومنها أن الماشي إنسانا كان أو غيره يقطع مسافة معينة في زمان معين من غير شعور له بتفاصيل الأجزاء والأحياز التي هي بين المبدأ والمنتهى ولا بالآيات التي منها يتألف ذلك الزمان ولا بالسكنات التي يتخللها تكون تلك الحركة إبطاء من حركة الفلك أو بالحد الذي لها من وصف السرعة والبطؤ ومنها أن الناطق يأتي بحروف مخصوصة على نظم مخصوص من غير شعور له بالأعضاء التي هي آلاتها ولا بالهيئات والأوضاع التي تكون لتلك الأعضاء عند الإتيان بتلك الحروف ومنها أن الكاتب يصور الحروف والكلمات بتحريك الأنامل من غير شعور له بما للأنامل من الأجزاء والأعضاء أعني العظام والغضاريف والأعصاب والعضلات والرباطات ولا بتفاصيل حركاتها وأوضاعها التي بها يتأتى تلك الصور والنقوش (قال الثالث) لو كان فعل العبد بقدرته واختياره لكان متمكنا من فعله وتركه إذ لو لم تمكن من الترك لزم الجبر وبطل الاختيار لكن اللازم أعني التمكن من الفعل والترك باطل لأن رجحان الفعل على الترك إما أن يتوقف
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»