في الأوقات والأحوال فيحمل على نفي الرؤية في الدنيا جمعا بين الأدلة وأورد عليه أولا أن هذا تمدح وما به التمدح يدوم في الدنيا والآخرة ولا يزول ودفع بأن امتناع الزوال إنما هو فيما يرجع إلى الذات والصفات وأما ما يرجع إلى الأفعال فقد يزول بحدوثها والرؤية من هذا القبيل فقد يخلقها الله في العين وقد لا يخلق ثم لو سلم عموم الأوقات فغايته الظهور والرجحان ومثله إنما يعتبر في العمليات دون العلميات وثانيا أنا لا نسلم أن الإدراك بالبصر هو الرؤية أو لازم لها بل هو رؤية مخصوصة وهو أن يكون على وجه الإحاطة بجوانب المرئي إذ حقيقته النيل والوصول مأخوذا من أدركت فلانا إذا لحقته ولهذا يصح رأيت القمر وما أدركه بصري لإحاطة الغيم به ولا يصح أدركه بصري وما رأيته فيكون أخص من الرؤية ملزوما لها بمنزلة الإحاطة من العلم فلا يلزم من نفيه نفيها ولا من كون نفيه مدحا كون الرؤية نقصا واستدلالهم بأن قولنا أدركت القمر ببصري وما رأيته تناقض إنما يفيد ما ذكرنا لا ما ذكروا ونقلهم عن أئمة اللغة افتراء فإن إدراك الحواس مستعار من أدركت فلانا إذا لحقته وقد صار حقيقة عرفية فالرجوع فيه إلى العرف دون اللغة فإن قيل فإذا كان الإدراك ما ذكرتم وهو مستحيل في حق الباري لم يكن لقوله * (لا تدركه الأبصار) * فائدة ولا لقوله * (وهو يدرك الأبصار) * جهة قلنا أما فائدته فالتمدح بتنزهه عن سمات الحدوث والنقصان من الحدود والنهايات وأما إدراكه الأبصار فعبارة عن رؤية إياها أو علمه بها تعبيرا عن اللازم بالملزوم وثالثا أن المنفي إدراك الأبصار ولا نزاع فيه والمتنازع إدراك المبصرين ولا دلالة على نفيه وهذا ينسب إلى الأشعري وضعفه ظاهر لما أشرنا إليه ولما أن جميع الأشياء كذلك إذ المرئيات منها إنما يدركها المبصرون لا الأبصار فلا تمدح في ذلك بل لا فائدة أصلا اللهم إلا أن يراد أن إدراك الأبصار هو الرؤية بالجارحة على طريق المواجهة والانطباع فيكون نفيه تمدحا وبيانا لتنزه الباري تعالى عن الجهة ولا يستلزم نفي الرؤية بالمعنى المتنازع فيه (قال بل ربما يلزم جوازها) إشارة إلى استدلال الأصحاب بالآية على جواز الرؤية وتقرير الظاهريين منهم أن التمدح بنفي الرؤية يستدعي جوازها ليكون ذلك للتمنع والتعذر بحجاب الكبرياء لا لامتناعها كالمعدوم حيث لا يرى ولا مدح له في ذلك واعترض بأن ذلك لعرائه عما هو أصل الممادح والكمالات أعني الوجود وأما الموجود فيتمدح بنفي الرؤية التي هي من صفات الخلق وسمات النقص وإن لم يجز رؤيته وأجيب بأنه لا تمدح في ذلك أيضا لأن كثيرا من الموجودات بهذه المثابة كالأصوات والطعوم والروائح وغيرها فاعترض بأن هذا لا يستقيم على أصلكم حيث جعلتم متعلق الرؤية هو الوجود وجوزتم رؤية كل موجود فأجيب بأن تلك الأعراض وإن كانت جائزة الرؤية إلا أنها مقرونة بإمارات الحدوث وسمات النقص فلم يكن نفي رؤيتها مدحا بخلاف الصانع فإنه علم بالأدلة القاطعة قدمه وكما له وأدرج تمدحه بنفي
(١٢١)