شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٣٢
وجهه ما أشار إليه أبو المعين النسفي رحمه الله من أن الإيمان ليس كله من الله إلى العبد على ما هو الجبر ولا من العبد إلى الله على ما هو القدر بل من الله التعريف والتوفيق والهداية والإعطاء ومرجعها إلى التكوين وهو غير مخلوق ومن العبد المعرفة والقصد والاهتداء والقبول وهي مخلوقة هذا والأوجه أن يمحى من الكتاب ويثبت ما هو الصواب ثم لا يخفى ما في الوجوه المذكورة من وجوه الضعف والأولى التمسك بالكتاب والسنة وإجماع أهل الحق من الأمة لا بمعنى إثباته في نفسه بمحض الإجماع ليرد أن الحقائق العقلية مثل حدوث العالم وقدم الصانع لا يثبت بالإجماع بل بمعنى أن إجماعهم عليه يدل على أن لهم قاطعا فيه وإن لم نعرفه على التفصيل قال وأما السمعيات فكثيرة جدا فإن قيل التمسك بالكتاب والسنة يتوقف على العلم بصدق كلام الله تعالى وكلام الرسول عليه ودلالة المعجزة وهذا لا يتأتى مع القول بأنه خالق لكل شيء حتى الشرور والقبائح وأنه لا يقبح منه اللبيس والتدليس والكذب وإظهار المعجزة على يد الكاذب ونحو ذلك مما يقدح في وجوب صدق كلامه وثبوت النبوة ودلالة المعجزات قلنا العلم بانتفاء تلك القوادح وإن كانت ممكنة في نفسها من العاديات الملحقة بالضروريات على أن هذا الاحتجاج إنما هو على المعترفين بحجية الكتاب والسنة والمتمسكين بهما في نفي كونه خالقا للشرور والقبائح وأفعال العباد فلو توقف حجيتهما على ذلك كان دورا قال منها ما ورد في معرض التمدح جعل الأدلة السمعية على هذا المطلوب أنواعا باعتبار خصوصيات تكون للبعض منها دون البعض مثل الورود بلفظ الخلق لكل شيء أو لعمل العبد خاصة أو بلفظ الجعل أو الفعل أو بغير ذلك فمن الوارد بلفظ الخلق لكل شيء قوله تعالى * (لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه) * تمدحا واستحقاقا للعبادة فلا يصح الحمل على أنه خالق لبعض الأشياء كأفعال نفسه لأن كل حيوان عندكم كذلك بل يحمل على العموم فيدخل فيه أعمال العباد ويخرج القديم بدليل العقل والقطع بأن المتكلم لا يدخل في عموم مثل أكرمت كل من دخل الدار فيكون بمنزلة الاستنثاء فلا يخل بقطعية العام عند من يقول بكونه قطعيا وكذا قوله تعالى * (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار) * تمسكا بالعموم وبأنه إذا جعل كخلقه في موضع المصدر كما هو الظاهر فقد يفيد خلق كل أحد مثل خلقه في الجملة وقوله تعالى * (ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا) * تمسكا بالعموم وبأن قوله وخلق كل شيء إزالة لما يتوهم من أن العبيد وإن لم يكونوا شركاء له في الملك على الإطلاق لكنهم يخلقون بعض الأشياء وإلا لكان ذكره بعد نفي الشريك مستدركا قطعا وقوله تعالى * (إنا كل شيء خلقناه بقدر) * اي خلقنا كل موجود ممكن من الممكنات بتقدير وقصد أو على مقدار مخصوص مطابق للغرض والمصلحة ولإفادة هذا المعنى كان المختار نصب كل شيء إذ لو رفع لتوهم أن خلقناه صفة
(١٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 ... » »»