شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١١٠
نفسها وعدم اقترانها بالإرادة المرجحة لأحد طرفي الفعل والترك فلا تكون إلا جائز التأثير فلهذا لا يلزم وجود جميع المقدورات ولما ذكرنا من أن القدرة جائزة التأثير وإنما يجب بالإرادة قال الإمام الرازي أن الصفة التي يسمونها التكوين يكون تأثيرها أي بالنظر إلى نفسها إما على سبيل الجواز فلا تتميز عن القدرة أو على سبيل الوجوب فلا يكون الواجب مختارا بل موجبا ولا يرد عليه اعتراض صاحب التلخيص بأن الوجوب اللاحق لا ينافي الاختيار لأن معناه أنه تعالى إذا أراد خلق شيء من مقدوراته كان حصول ذلك الشيء منه واجبا لأن هذا هو القسم الأول أعني ما يكون تأثيره بالنظر إلى نفسه على سبيل الجواز قال وما نقل قد اشتهر عن الأشعري أن التأثير نفس الأثر والتكوين نفس المكون وهذا بظاهره فاسد وفساده غني عن التنبيه فضلا عن الدليل والذي يشعر به كلام بعض الأصحاب أن معناه أن لفظ الخلق شائع في المخلوقات بحيث لا يفهم منه عند الإطلاق غيره سواء جعلناه حقيقة فيه أو مجازا مشتهرا من الخلق بمعنى المصدر وهذا لا يليق بالمباحث العلمية ويمكن أن يكون معناه أن الشيء إذا أثر في شيء وأوجده بعدما لم يكن مؤثرا فالذي حصل في الخارج هو الأثر لا غير وأما حقيقة الأحداث والإيجاد فاعتبار عقلي لا تحقق له في الأعيان وقد سبق ذلك في الأمور العامة قال ومنها القدم أثبته ابن سعيد صفة بها يكون الباري تعالى قديما وأثبت الرحمة والكرم والرضا صفات وراء الإرادة وليس له على ذلك دليل يعول عليه وأثبت القاضي إدراك الشم والذوق واللمس صفات وراء العلم (قال ومنها ما ورد به ظاهرالشرع وامتنع حملها على معانيها الحقيقية) مثل الاستواء في قوله تعالى * (الرحمن على العرش استوى) * واليد في قوله تعالى * (يد الله فوق أيديهم) * و * (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) * والوجه في قوله تعالى * (ويبقى وجه ربك) * والعين في قوله تعالى * (ولتصنع على عيني) * و * (تجري بأعيننا) * فعن الشيخ أن كلا منها صفة زائدة وعن الجمهور وهو أحد قولي الشيخ أنها مجازات فالاستواء مجاز عن الاستيلاء أو تمثيل وتصوير بعظمة الله تعالى واليد مجاز عن القدرة والوجه عن الوجود والعين عن البصر فإن قيل بجملة المكونات مخلوقة بقدرة الله تعالى فما وجه تخصيص خلق آدم صلى الله عليه وسلم سيما بلفظ المثنى وما وجه الجمع في قوله بأعيننا أجيب بأنه أريد كمال القدرة وتخصيص آدم تشريف له وتكريم ومعنى تجري بأعيننا أنها تجري بالمكان المحوط بالكلاءة والحفظ والرعاية يقال فلان بمرىء من الملك ومسمع إذا كان بحيث تحوطه عنايته وتكتنفه رعايته وقيل المراد الأعين التي انفجرت من الأرض وهو بعيد وفي كلام المحققين من علماء البيان أن قولنا الاستواء مجاز عن الاستيلاء واليد واليمين عن القدرة والعين عن البصر ونحو ذلك إنما هو لنفي وهم التشبيه والتجسيم بسرعة وإلا فهي تمثيلات وتصويرات للمعاني العقلية بإبرازها في الصور الحسية وقد بينا ذلك في شرح التلخيص
(١١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 ... » »»