شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١١٧
الذي لا تظهر فيه قرينة تعين المحذوف وتمام الكلام في الإشكالات الموردة من قبل المعتزلة على الاحتجاج بالآية والتفصي عنها من قبل أهل الحق مذكور في نهاية العقول للإمام الرازي لكن الإنصاف أنه لا يفيد القطع ولا ينفي الاحتمالات ومنه قوله تعالى * (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) * حقر شأن الكفار وخصهم بكونهم محجوبين فكان المؤمنون غير محجوبين وهو معنى الرؤية والحمل على كونهم محجوبين عن ثوابه وكرامته خلاف الظاهر ومنه قوله تعالى * (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) * فسر جمهور أئمة التفسير الحسنى بالجنة والزيادة بالرؤية على ما ورد في الخبر كما سيجيء وهو لا ينافي ما ذكره البعض من أن الحسنى هو الجزاء المستحق والزيادة هي الفضل فإن قيل الرؤية أصل الكرامات وأعظمها فكيف يعبر عنها بالزيادة قلنا للتنبيه على أنها أجل من أن تعد في الحسنات وفي أجزية الأعمال الصالحات والنص من السنة قوله عليه الصلاة والسلام إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته ومنها ما روي عن صهيب أنه قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية * (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) * قال إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يشتهي أن ينجزكموه قالوا ما هذا الموعد ألم يثقل موازيننا وينضر وجوهنا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار قال فيرفع الحجاب فينظرون إلى وجه الله عز وجل قال فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر ومنها قوله عليه السلام إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة أكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة وقد صحح هذه الأحاديث من يوثق به من أئمة الحديث إلا أنها آحاد قال تمسك المخالف بوجوه يعني للمعتزلة شبه عقلية وسمعية بعضها يمنع صحة الرؤية وبعضها وقوعها فالعقلية أصولها ثلاثة الأولى شبهة المقابلة وهي أنه لو كان مرئيا لكان مقابلا للرائي حقيقة كما في الرؤية بالذات أو حكما كما في الرؤية بالمرآة والحق أنه لا حاجة إلى هذا التفصيل لأن المرئي بالمرآة هو الصورة المنطبعة فيها المقابلة للرائي حقيقة لا ما له الصورة كالوجه مثلا ويدعون في لزوم المقابلة الضرورة ويفرعون على ذلك وجوها من الاستدلال مثل أنه لو كان مرئيا لكان في جهة وحيز وهو محل ولكان جوهرا أو عرضا لأن المتحيز بالاستقلال جوهر وبالتبعية عرض ولكان إما في البدن أو خارج البدن أو فيهما ولكان في الجنة أو خارج الجنة أو فيهما إذ لا تعقل الرؤية إن لم تكن فيه ولا خارجة لانتفاء المقابلة ولكان المرئي إما كله فيكون محدودا متناهيا أو بعضه فيكون متبعضا متجزيا وهذا بخلاف العلم فإنه إنما يتعلق بالصفات ولا فساد في أن يكون المعلوم كلها أو بعضها ولكان إما على مسافة من الرائي فيكون
(١١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 ... » »»