غير الأباضية ربما وضعوا أحاديث للإغراء على الفتك بهم كما قال المبرد في الكامل عند الكلام على المهلب بن أبي صفرة وقتالهم (4).
أما الأباضية فهم أبعد الأمة قاطبة عن وضع الحديث بل بلغ من ورعهم أنهم لا يردون الحديث كلما بدا لهم احتمال صحته ولو بوجه التأويل حتى لا يقعوا في تسفيه الحق ورد كلام سيد الخلق. فهم يقبلون الحديث ممن شهر بالصدق ولو من غير مذهبهم وما اتخذوا الخلاف يوما مطية لرفض الحديث اللهم إلا على من كان كاذبا أو اتهم به أو ضعفت الثقة به أو يبيح الكذب لفائدة مذهبه كما يذكر عن الشيعة أو نحو ذلك.
نعم مجتهدونا يعرضون الأحاديث على كتاب الله فما وجدوه موافقا قبلوه وما خالف ردوه، وهذا لعمر الحق هو الإنصاف الذي ما بعده. وذلك لما رواه الأئمة في كتاب (المسند الصحيح) عن أبي عبيدة مسلم عن جابر بن زيد عن ابن عباس عن النبي قال " إنكم ستختلفون من بعدي فما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فعني وما خالفه فليس عني " وهذا من أعلام نبوته (5).
وقد روي عند غيرنا بطرق ضعيفة بالمعنى لا باللفظ حتى قال بعض بسقوط هذا الحديث بتلك الطرق الضعيفة إذ لم يبلغهم سواها، ولكن ثبوته بهذا السند العالي قاض بصحته.
أخرج الطبراني في كبيره من حديث الوضين عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه مرفوعا " سئلت اليهود عن موسى فأكثروا فيه وزادوا فيه ونقصوا حتى كفروا. وسئلت النصارى عن عيسى فأكثروا فيه وزادوا ونقصوا حتى كفروا، وأنه ستفشوا عني أحاديث فما أتاكم من حديثي فاقرؤا كتاب الله واعتبروا فما وافق كتاب الله فأنا قلته وما لم يوافق كتاب الله فلم أقله ".
قال السخاوي: وقد سئل شيخنا عن هذا الحديث فقال أنه جاء من طرق لا تخلو من مقال.