يذكر الحسين (عليه السلام) فتعبق الطيوب والعطور، ويذكر أعداؤه فيفوح الدفر والنتن، وأن الحسين (عليه السلام) لكما قيل فيه:
رأى أن ظهر الذل أخشن مركبا * من الموت حيث الموت منه بمرصد فآثر أن يسعى على جمرة الوغى * برجل ولا يعطي المقادة عن يد (1) ونهضة الحسين (عليه السلام) كشفت ما عليه القوم من سوء النويا للدين ولأهله، فإذا لم يرعوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) حرمة بولده، فأحرى بهم أن لا يراعوا له حرمة في نفسه، لو كان موجودا أو بيدهم سلطان.
واعلم أن بقتل الحسين (عليه السلام) تنبه المؤمنون، وثار الحق على الباطل، وأقدم الأحرار على التضحية، فلو لم تكن تضحية الحسين (عليه السلام) هي عين الصواب لم يقتد به عظماء الرجال في ذلك الوقت، أمثال أبناء الزبير والمختار وآل المهلب، وغيرهم ممن آثروا الموت على الحياة، ولم يعطوا الطاعة لقوم لم يجدوهم أكفاء لهم شرفا ومكانة، ولو لم يقتل الحسين (عليه السلام) بقيت الأيدي مكتوفة، والأفواه مكمومة، والمؤمنون يقتلون تحت كل حجر ومدر.
قال: إني أجد في هذه المعاني روحا من الحقيقة، ولكن الذي أنتقد عليه هو ما يحصل في مجالس التعزية من السباب لبعض الصحابة، وما يحصل من الأعمال الشبيهة التي تسئ إلى الأخلاق والمعنويات، كضرب السيوف والسلاسل وإركاب النساء على الجمال مما لا ضرورة إليه.
قلت: قد قلنا سابقا إن الغرض من إقامة العزاء إنما هو تجديد لذكرى هذا الرجل العظيم، وحيث للناس أن يقتدوا به في علو الهمة والشمم والإباء وعزة