مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٢١ - الصفحة ٤٤٢
الجواب عن السؤال الثالث:
فأما الحجة على أن المراد بلفظة " مولى " في خبر الغدير " الأولى " فهي أن من عادة أهل اللسان في خطابهم إذا أوردوا جملة مصرحة وعطفوا عليها بكلام محتمل لما تقدم به التصريح ولغيره، فإنهم لا يريدون بالمحتمل إلا ما صرحوا به من الخطاب المتقدم.
مثال ذلك أن رجلا لو أقبل على جماعة فقال: ألستم تعرفون عبدي فلانا الحبشي؟ ثم وصف لهم أحد عبيده وميزه عنهم بنعت يخصه صرح به، فإذا قالوا : بلى، قال لهم عاطفا على ما تقدم: فاشهدوا أن عبدي حرا لوجه الله عز وجل، فإنه لا يجوز أن يريد بذلك إلا العبد الذي سماه وصرح بوصفه دون ما سواه، ويجري هذا مجرى قوله: فاشهدوا أن عبدي فلانا حر، ولو أراد غيره من عبيده لكان ملغزا غير مبين في كلامه.
وإذا كان الأمر كما وصفناه، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يزل مجتهدا في البيان، غير مقصر فيه عن الإمكان، وكان قد أتى في أول كلامه يوم الغدير بأمر صرح به، وقرر أمته عليه، وهو أنه أولى بهم منهم بأنفسهم، على المعنى الذي قال الله تعالى في كتابه: ﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم﴾ (40) ثم عطف على ذلك بعد ما ظهر من اعترافهم بقوله: " فمن كنت مولاه فعلي مولاه " وكانت " مولى " (41 ) تحتمل ما صرح به في مقدمة كلامه وتحتمل غيره، لم يجز أن يريد إلا ما صرح به في كلامه الذي قدمه وأخذ إقرار أمته به دون سائر أقسام " مولى "، وكان هذا قائما مقام قوله " فمن كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه "، وحاش لله أن لا يكون الرسول صلى الله عليه وآله أراد هذا بعينه.

(٤٠) الأحزاب ٣٣: 6.
(41) في نسخة " ف ": مولاه.
(٤٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 437 438 439 440 441 442 443 444 445 446 447 ... » »»
الفهرست