لوامع الحقائق في أصول العقائد - ميرزا أحمد الآشتياني - ج ١ - الصفحة ٤٤
الثاني من الأمور الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وآله إتيانه بالكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلا من حكيم حميد، وإنما فردناه عن غيره من المعجزات، لأنه أقوى دلالة منها على نبوته، ولكونه معجزة باقية له صلى الله عليه وآله إلى يوم القيامة، والكلام تارة في دلالة، وأخرى في وجه إعجازه.
أما الأول فبيانه: أنه صلى الله عليه وآله ادعى النبوة، وأتى بالقرآن الكريم متحديا به، وطل من قومه وأهل زمانه المعارضة ببيانات مختلفه، وعبارات متفاوتة، وجعل عجزهم عن الاتيان بمثله دليلا على أنه نزل عليه بوحي من الله عز وجل، وأنه صلى الله عليه وآله مبعوث من عند ربه، فدعاهم أولا إلى الإتيان بمثل القرآن، ثم وسع عليهم وقنع منهم بأن يأتوا بعشر سور مثل سوره، ثم سهل الأمر عليهم فرضي عنهم بإتيان سورة واحدة من مثله، ثم صرح بعد ذلك بعجزهم بل عجز الخلق من الإنس والجن على الاتيان بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، وواضح أنهم لو كانوا متمكنين من الإتيان بمثله بل بمثل سورة منه لأتوا به، لأنهم كانوا متهالكين في إبطال أمره صلى الله عليه وآله، ويتوسلون بكل حيلة في تكذيبه ورده، ويعادونه أشد المعادات، إذ هو صلى الله عليه وآله قام بين أظهرهم، فعاب آلهتم ودينهم، وسفه أحلامهم، وشتت أمرهم، وفرق جماعتهم، وذم آبائهم وأسلافهم بكفرهم، ودعاهم إلى توحيد الله تعالى وعبادته، وأمرهم بطاعته سبحانه وطاعة نفسه، وهم كانوا مشهورين بغاية العصبية والحمية في حفظ آرائهم السخيفة، وعاداتهم الباطلة، ورسوم أسلافهم الجاهلية، ومعروفين بسفك دمائهم في طريق الفخر والمباهات، والدفاع عن الأحساب والأنساب، فعدم إتيانهم بمثل
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»