القرآن بل بمثل سورة قصيرة منه والحال هذه، واشتغالهم بالحرب معه، مع أن فيه هتك الحرم، وإسارة العيال، وتلف النفوس والأموال، دليل قطعي على عجزهم عن المعارضة مع القرآن، وبرهان يقيني على صدقة صلى الله عليه وآله في دعوى النبوة.
وأما وجه إعجازه فأمور: منها حسن تأليفه والتئام كلمه و فصاحته وبلاغته، بحيث لو وقع آية منه في كلام فصيح بليغ لكانت ممتازة عنه، متلألأة فيه، كالنجم الزاهر، والبدر اللامع، في غسق الليل، ومن كان له أدنى مهارة في فن الفصاحة والبلاغة، وراجع كلمات الفصحاء من الخطب والأشعار وغيرهما، ثم نظر وتأمل في آيات القرآن العظيم، يرى تفاوتا فاحشا في ذلك بينهما، ويعترف بأن إتيان كلام بهذه المثابة من الفصاحة والبلاغة خارج عن طوق البشر، وكيف لا وقد اعترف رجال الفصاحة، وفرسان البلاغة، في عصره صلى الله عليه وآله وبعده، بأن القرآن ليس من سنخ كلام المخلوق.
ولتبين الحال نقول: إنه صلى الله عليه وآله قد بعث في زمان كان الغالب على أهله من العرب، الكلام الفصيح، والقول البليغ، قد جعل الله سبحانه ذلك طبعا وسجية لهم، ينشدون الخطب والأشعار الفصيحة البليغة، ويفتخرون بها، ويترفعون بشأنها، يقيمون مجالس المناشدة والمفاخرة، ويختارون كبيرا من ذوي حصافتهم وفصاحتهم، ويجعلونه حكما فيما يختلفون فيه، فينشد الخطباء خطبهم، والشعراء شعرهم، فإذا ثبت عندهم فضل خطبة، أو شعر، أو غير هما علقوها في الكعبة، ومنها المعلقات السبع المشهورة، فأتاهم النبي صلى الله عليه وآله بالقرآن الكريم الذي هو بلسان عربي مبين مستدلا به على نبوته، وقال: يا معشر