شرح القصيدة الرائية ، تتمة التترية - الدكتور جواد جعفر الخليلي - الصفحة ٣٥٨
منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجميع الخلفاء الراشدين ومن الأفذاذ الذين ساير الأطراف المتخاصمة ورغم كونه من الأفذاذ في العلم والرأي ورغم مشاورتهم له سواء أبي بكر أو عمر أو عثمان لكنه لم ينل منهم ولاية كبيرة أو صغيرة تلك التي نالها أولاد الطلقاء مثل معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة وأمثالهم ولطالما كلفه عثمان بالوساطة وإصلاح بعض الأمور وقام بها حتى عينه قبيل مقتله أميرا للحاج من المدينة إلى مكة. وترى عثمان يرسل نافع بن طريف ليتلو كتابه على الحجاج يستنجدهم وكان ابن عباس يخطب على الناس فلم ينبس ببنت شفة يؤيد بها عثمان والذب عنه.
وإليك آراء ابن عباس في عثمان كما أخرجه أبو عمر في الإستيعاب قال: جاء ناس إلى ابن عباس فقالوا: جئناك نسألك فقال: سلوا ما شئتم.
فقالوا: أي رجل كان أبو بكر؟ فقال كالخير كله على حدة كان فيه. قالوا فأي رجل كان عمر؟ قال: كان كالطائر الحذر الذي يظن أن له في كل طريق شركاء قالوا:
فأي رجل كان عثمان؟ قال: رجل ألهته نومته عن يقظته. قالوا فأي رجل كان علي عليه السلام؟ قال: قد ملئ جوفه حكما وعلما وبأسا ونجدة مع قرابته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان يظن أن لا يمد يده إلى شئ إلا ناله، فما مد يده إلى شئ إلا ناله ". وقد استغل بنو أمية نومة عثمان وهم الذين حكموا في عهده وهم سببوا قتله.
وكفى عثمان سيئة من وضع الأمر بيد بني أمية وإبعاد الصلحاء واتخاذه من بنو عمومته مشاورين وإساءة ظنه بخيرة المهاجرين والأنصار والتنكيل بهم. وما أجمل قول ابن عباس في الخليفة النائم. فهذا أفلاطون والحكماء يعبرون عن حكم أتعس الحكام بقوله هو الذي يعمل في يقظته ما يعمله النائم في رقدته أي مجردا من سلطة العقل ومجدا تحت تأثير الغرائز المكبوتة تقوده حيث شاءت دون أن يردع طيشه رادع العلم والحكمة والمنطق السليم.
(٣٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 353 354 355 356 357 358 359 360 361 362 363 ... » »»