سياسة الأنبياء - السيد نذير يحيى الحسيني - الصفحة ١١١
بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط) * (1).
فهو يقرر لهم النعمة الإلهية التي يتمتعون بها والوفرة الاقتصادية التي يعيشونها وسعة الرزق التي يوصفون بها فليس بحاجة إلى الاستغلال والبخس والنقص في الميزان إذ هناك رادعين يردعاكم عن معصية الله.
الأول: أنكم في خير ولا حاجة لكم في بخس أموال الناس من غير سبيل حلها.
الثاني: أن وراء مخالفة الله يوم محيط يخاف من عذابه (2) فالنعم الإلهية موجودة ولا حاجة لكم في نقص الكيل والوزن واتقوا الله وخافوه لأن عذابه لا يرد ولا يدفع سواء كان عذاب الاستئصال أم عذاب يوم القيامة.
الأسلوب الثاني في حل المشكلة الثانية * (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي) * (3) المشكلة المعالجة هنا مشكلة الحرية المطلقة من دون تحديد وهذه مشكلة الرأسمالية في عالمنا المعاصر فهي حرية مطلقة لا تعارضها أي حرية ولا يقف أمامها أي تقليد أو قيم.
فعندما واجه القوم شعيب (عليه السلام) بالاستهزاء لأنهم لا يتصورون أي قانون قادر على أن يحدهم ويقيدهم، واجههم شعيب بأسلوب هادئ ينطلق من روح الرسالة والخط العام الذي يتحرك فيه السماء بعدما بين لهم أنه مرسل وصاحب بينة، فبدأ أولا بنفسه في الجواب على المشكلة فقال لهم إني لا أرتكب ما أنهاكم عنه أبدا ولا أريد من دعوتي هذه إلا الإصلاح بكل معانيه، الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
ونحن عندما نبحث عن شعيب لا نترك هذه النفحات الإلهية التي تطلق على ألسن الأنبياء (عليهم السلام) تمر مر السحاب فلا بد من الوقوف للتعلم من حياتهم سلام الله عليهم، فهذا شعيب (عليه السلام) يقرر قاعدة أساسية من قواعد التبليغ إلى الله تعالى وهي أن المبلغ الرسالي لا بد أولا أن يغير نفسه قبل أن يغير الآخرين وأن يكون مصلحا لداخله ومحتواه قبل ألفاظه وكلماته فلا يدعو إلى شئ لا يعتقد به ولا ينهى عن فعل يمارسه فلا بد من الاندكاك بما يقول حرفيا لأن الناس اعتادوا على أن يلاحظوا

(١) هود: ٨٤.
(٢) الميزان: ١٠: ٣٥٠.
(٣) هود: ٨٨.
(١١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 ... » »»