سياسة الأنبياء - السيد نذير يحيى الحسيني - الصفحة ١١٢
تصرفات الرجال قبل أقوالهم وأفعالهم قبل ألفاظهم ويتأثروا بكل مصلح طابق فعله قوله.
فنعود إلى مجتمع شعيب عندما رفض دعوة نبيه، واستهزأ بها ظانا أنه حر فيما يتملك، ولا يعتبر بأي تشريع كان، ومن أي جهة صدر، أما شعيب ظل يدعو إلى التوازن في التعامل فلا يؤمن بالحرية المطلقة التي لا يحدها شئ بل يؤمن بحرية تضمن للفرد خصوصياته وللمجتمع قوانينه، فهو يحاول إصلاح التطرف في الحرية الفردية على حساب المجتمع وجعلها في إطار التوازن الخاضع للرقابة الذاتية أولا من خلال إحياء الضمير داخل النفس الإنسانية وثانيا الرقابة الخارجية من المجتمع، ليحدد من تصرفات أولئك الذين يعيثون بمقدرات وثروات الشعوب.
الأسلوب الثالث لحل المشكلة الثالثة القبلية والتعنصر من العادات السائدة في المجتمعات القديمة بحيث يؤطروها بقانون " أنصر أخاك ظالما أو مظلوما " وهذه من المشاكل الأساسية التي واجهت الرسالات بشكل عام، فالمجتمعات تنظر إلى المصلحين وأصحاب الدعوات الطارئة التي تخرج عن المألوف من خلال أقوامهم وعشائرهم التي ينتمون إليها، فإذا كانت كبيرة وقوية تهاب ويهاب المصلح المنتمي لها وإلا فلا ولهذا بدأت دعوة الرسول (صلى الله عليه وآله) من عشيرته أولا وسيتبين ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.
إذا القوة هي السائدة في المجتمعات، فهؤلاء عندما نظروا إلى شعيب وإلى عشيرته وجهوا له هذا الكلام:
* (وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز) * (1) فأعطوا لرهطه قيمة اجتماعية معينة وأعلنوا أن ذلك هو الذي يمنعهم من مواجهة شعيب بالقوة والرجم، فشعيب أراد أن يصحح هذا المفهوم السائد بينهم.
* (قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا إن ربي بما تعملون محيط) * (2).
فهو يوبخهم على الالتزام بما هو الظاهر أمام الأعين أما المخفي المدعم بالأدلة لا

(١١٢)
مفاتيح البحث: العزّة (1)، الظلم (1)، الرفض (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 ... » »»