سياسة الأنبياء - السيد نذير يحيى الحسيني - الصفحة ١١٠
فأمرهم بالتقوى وعبادة الله وحده لما في هذا التبليغ من إنماء للضمير الداخلي لدى الإنسان فهو يحاول أن يبذر البذرة لتنمو في نفوسهم ويبدأ وازع الخوف والرقابة الداخلية، بحيث تجعل الفرد يخاف من داخله وهذا التغيير أقوى من أي سيطرة خارجية مهما كانت وسائلها وأساليبها، وبين لهم بعد ذلك أنه لا يستقل في دعوتهم هذه من أجل مكسب مادي بل هو رسول من الله تعالى لا يطلب الأجر على ما يفعله بل الأجر على الله تعالى الذي أرسله بالرسالة وأمره بالتبليغ وبعد ذلك كله شرع في وضع الحلول للمشكلة التي يعانون منها ألا وهي السرقة العلنية التي سادت بينهم في كل ما يكيلون أو يوزنون فصار ذلك البخس سنة يتميزون بها عن كل الشعوب وعادة جارية بحيث بلغت إلى مستوى الاستغراب عن الكف عنها فقال لهم شعيب.
* (أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم) * (1).
فلا بد من الوفاء بالكيل كي يصح التعامل، ولا بد أن يزنوا بالميزان المستقيم كي يطمأن كل واحد إلى الآخر في الأخذ والعطاء حتى تشيع بينهم الرحمة والحب والتعاون والشفقة وبذلك يستقر السوق وتأخذ الحياة مجراها الطبيعي.
ثم دعاهم إلى عدم النقص في الوزن إذا عاملوا الناس لما فيه من فساد وإفساد للتجمع الإنساني، فإن الفطرة اقتضت أن يكون التعامل صحيح مستقيم وإلا اشمأزت منه ورفضته والذي يتحدا الفطرة يتحدى قانون السقوط الحتمي الذي لا تخطئ نتيجته أبدا ودائما، فالله تعالى خلق الخلق وفطرهم على حب العدل والمساواة وقبح الظلم وهذه المسألة من المسائل العقلية ولذلك سميت بالتقبيح والتحسين العقليين (2) فالوزن المستقيم وعدم بخس الناس من لوازم العدل ومما يوافق الفطرة البشرية والظلم والبخس واستغلال الناس مما يخالف الفطرة ويتحداها.
ولم يستطيع شعيب أن يستر خوفه على قومه إذا أصروا على ما هم عليه من الانحراف الاقتصادي الذي يؤدي بالتالي إلى الفساد الاجتماعي والسياسي فقال لهم * (يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم

(1) (2) أصول العامة للفقه المقارن، محمد تقي الحكيم ص 282.
(١١٠)
مفاتيح البحث: الظلم (1)، الخوف (2)، السرقة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 ... » »»