سياسة الأنبياء - السيد نذير يحيى الحسيني - الصفحة ٩٩
فلقد كانت الحياة التي تحيط بيوسف حياة صعبة جدا لما فيها من مطاردة تلك المرأة ليوسف ليلا ونهارا لتظفر بما تريد فطلب يوسف من ربه السجن ليتخلص من العذاب ومن هذه المرأة التي أصبحت لا هم لها إلا إضلال يوسف وإغوائه فاستجاب له ربه في دعوته ودخل السجن * (ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما أني أراني أعصر خمرا وقال الآخر أني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين) * (1) فأحدهما رأى رؤيا وهي عصر العنب ليصير خمرا والآخر كذب في رؤيته وقال كأني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه، فطلبوا من يوسف أن ينبأهم بتأويل ذلك أنه من الصالحين الذين في وجوههم سيماء المحسنين، عند ذلك صرح يوسف بدعوته إلى الله، فبدأ من السجن ليهدي صاحبيه إلى ربه، ويستغل الفرصة الذي هو عليها * (قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي أني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون) * (2) استغل الفرصة ليكشف لهم عن حقيقة دعواه، والسبب الذي من وراءه أودع في السجن، وهذا يكشف عن مدى عمق الصفات الإيمانية في نفوس الأنبياء، لأن من العادات السائدة إن الإنسان عندما يواجه ظروف صعبة ينحني قليلا حتى تمر العاصفة، وتخمد عنده بعض الملكات وهذه الحالة وإن كانت ليست مطردة ولكنها غالبة عند طبيعة البشر، أما يوسف (عليه السلام) جعل السجن مهدا للتبليغ وانطلاقة إلى المجتمع، فها هو يقيم لهم الأدلة على إمكانياته وقابلياته ولم ينسى في هذه اللحظات ربه الذي علمه وأعده وأعطاه كل شئ * (ذلكما مما علمني ربي) * فهذه رحمة إلهي شملتني ولا استقلال لنفسي بها، يا صاحبي أني تركت القوم وهم يعبدون الأصنام متفرقة كافرين بالمعاد مشركين بالله فتركتهم.
* (واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شئ ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون) * (3) اتبعت دين التوحيد والحق والعبودية الخالصة لله تعالى، وأنا شاكر لنعم ربي، هذه النعم التي تشمل كل الناس ولكنهم للأسف لا يشكرون، وأخذ يقيم لهم الأدلة على

(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»