مسألة بسيطة بينه وبين من يريد أن يناوئه في ملكه * (قال فمن ربكما يا موسى) * (1) فهذه العبارة تحمل بين طياتها تجاهل موسى وإشعاره بأنه لا حق له في دعوة فرعون وهو الرب الأعلى حسب ما يرى هو * (أنا ربكم الأعلى) * (2).
فأجابه موسى (عليه السلام): * (قال ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى) * (3).
وبهذا الجواب غلق موسى كل أبواب الحيلة والمكر أمام فرعون بحيث صور له في هذا الجواب أصل الخلقة البشرية والاستعدادات الكامنة فيها فهو جواب شافي يوقف فرعون عن أي محاولة للنفوذ من خلال الجواب إلى سؤال آخر ولهذا لجأ إلى طريقة أخرى عندما رأى أن الأبواب قد غلقت أمامه بالكامل..
* (قال فما بال القرون الأولى) * (4).
فهو يسأله عن حال الأمم والتجمعات القديمة التي كانت تعيش في الماضي السحيق وأراد فرعون من هذا السؤال ليرد على موسى دعوته في إثبات المعاد، ويفند اليوم الذي يجزى فيه المحسن بإحسانه والمسئ بإسائته، بعد أن فشل في إبطال الرسالة من رأس، فهو يلتف من طريق آخر ليبطل الرسالة لأنه عندما يبطل المعاد ويثبت عدم علم الله بالأمم السابقة يجر هذا الإبطال إلى إبطال كل القواعد التي ارتكزت عليها دعوة موسى (عليه السلام) فهو طريق متبع في المحاججات الكلامية بالسير من الخاص إلى العام.
وتصدى موسى لذلك * (قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى) * (5) فهذا جواب ألقم فرعون حجرا لأن موسى علق المسألة بالكامل على علم الله تعالى حتى لا يترك مجال لفرعون في تكرير السؤال عن أحوالهم وأشخاصهم وكيفية معيشتهم حتى يوقع موسى في فخ المحاججات الكلامية اللفظية التي لا طائل من وراءها فأجابه بجواب عام يحوي بين طياته كل ما يريد أن يستفسر عنه فرعون بعد ذلك بحيث سيطر موسى على الجو واستلم زمام المبادرة في الكلام بعدما سيطر على الأساليب اللفظية المتبعة في المحاججات الكلامية فأخذ يبشر بدعوته من دون أن يشعر فرعون بذلك فقال (عليه السلام): * (الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماءا فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى كلوا وارعوا