نهج البلاغة 10: 127 - 129:
كثير من أرباب الهوى يقولون: إن كثيرا من نهج البلاغة كلام محدث صنعه قوم من فصحاء الشيعة، وربما عزوا بعضه إلى الرضا أبي الحسن (عليه السلام) وغيره.
وهؤلاء أعمت العصبية أعينهم فضلوا عن النهج الواضح، وركبوا بنيات الطريق، ضلالا وقلة معرفة بأساليب الكلام.
وأنا أوضح لك بكلام مختصر ما في هذا الخاطر من الغلط، فأقول:
لا يخلو إما أن يكون كل نهج البلاغة مصنوعا متحولا، أو بعضه.
والأول: باطل بالضرورة، لأنا نعلم بالتواتر صحة إسناد بعضه إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وقد نقل المحدثون كلهم أو جلهم والمؤرخون كثيرا منه، وليسوا من الشيعة لينسبوا إلى غرض في ذلك.
والثاني: يدل على ما قلناه، لان من قد أنس بالكلام والخطابة وشدا طرفا عن علم البيان وصار له ذوق في هذا الباب، لابد أن يفرق بين الكلام الركيك والفصيح، وبين الفصيح والأفصح، وبين الأصل والمتولد. وإذا وقف على كراس واحد يتضمن كلاما لجماعة من الخطباء أو لاثنين منهم فقط، فلابد أن يفرق بين الكلامين، ويميز بين الطريقتين.
ألا ترى أنا مع معرفتنا بالشعر ونقده، لو تصفحنا ديوان أبي تمام فوجدناه قد كتب في أثنائه قصائد أو قصيدة واحدة لغيره لعرفنا بالذوق مباينتها لشعر أبي تمام نفسه وطريقته ومذهبه في القريض؟
ألا ترى أن العلماء بهذا الشأن حذفوا من شعره قصائد كثيرة منحولة إليه لمباينتها لمذهبه في الشعر، وكذلك حذفوا من شعر أبي نؤاس كثيرا لما ظهر لهم أنه ليس من ألفاظه ولا من شعره، وكذلك غيرهما من الشعراء،