فرضوا أن مذهبنا في النص صحيح، لأنه إذا كان النبي (صلى الله عليه وآله) قد نص على أمير المؤمنين (عليه السلام) بالإمامة في مقام بعد مقام، وبكلام لا يحتمل التأويل، ثم رأى المنصوص عليه أكثر الأمة بعد الوفاة بلا فصل، أقبلوا يتنازعون الأمر تنازع من لم يعهد إليه بشئ فيه، ولا يسمع على الإمامة نصا، لأن المهاجرين قالوا: نحن أحق بالأمر، لأن الرسول منا ولكيت وكيت. وقال الأنصار: نحن آويناه ونصرناه فمنا أمير ومنكم أمير. هذا، والنص لا يذكر فيما بينهم. ومعلوم أن الزمان لم يبعد فيتناسوه، ومثله لا يتناسى، فلم يبق إلا أنهم علموا على التصميم ووطنوا نفوسهم على التجليح (1)، وأنهم لم يستجيزوا الاقدام على خلاف الرسول (صلى الله عليه وآله) في أجل أوامره وأوثق عهوده، والتظاهر بالعدول عما أكده وعقده، إلا لداع قوي وأمر عظيم يخاف فيه من عظيم الضرر، ويتوقع منه شديد الفتنة.
فأي طمع يبقى في نزوعهم بوعظ وتذكير؟
وكيف يطمع في قبول وعظه والرجوع إلى تبصره وإرشاده من رآهم لم يتعظوا بوعظ (2) يخرجهم من الضلالة وينقذهم من الجهالة؟
وكيف لا يتهمهم على نفسه ودينه من رأى فعلهم بسيدهم وسيد الناس أجمعين فيما عهده وأراده وقصده؟
وهل يتمكن عاقل بعد هذا أن يقول: أي أمارة للخوف ظهرت؟ اللهم إلا أن يقولوا: إن القوم ما خالفوا نصا ولا نبذوا عهدا، وإن كل ذلك تقول منكم عليهم لا حجة فيه، ودعوى لا برهان عليها، فتسقط حينئذ المسألة من أصلها، ويصير تقديرها إذا كان أمير المؤمنين (عليه السلام) غير منصوص عليه بالإمامة ولا