وما كانوا يسلبونه من الأموال ويرونه (1) من الأحوال، فيعدون ما هو معاص في الحقيقة بعذاب الميت بها وإن كانوا يجعلون ذلك من مفاخره ومناقبه، فذكر (صلى الله عليه وآله) انكم تبكونهم بما يعذبون به (2).
وثالثها: أن يكون المعنى أن الله تعالى إذا أعلم (3) الميت ببكاء أهله وأعزته عليه تألم لذلك، فكان عذابا له. والعذاب ليس بجار مجرى العقاب الذي لا يكون إلا على ذنب متقدم، بل قد يستعمل [ذلك] كثيرا بمعنى الألم والضرر. ألا ترى ان القائل قد يقول لمن ابتدأه يضرر أو ألم: " قد عذبتني بكذا وكذا وآذيتني "، كما يقول: " أضررت بي وآلمتني ". وإنما لم يستعمل العقاب حقيقة في الآلام المبتدئة، من حيث كان اشتقاق لفظة العقاب من المعاقبة التي لابد من تقدم سبب لها، وليس هذا في العذاب.
ورابعها: أن يكون أراد بالميت من حضره الموت ودنا منه، وقد يسمى بذلك لقوة المقاربة على سبيل المجاز. فكأنه (صلى الله عليه وآله) أراد أن من حضره الموت يتأذى ببكاء أهله عليه (4)، ويضعف نفسه، فيكون ذلك كالعذاب له. وكل هذا (5) بين بحمد الله [ومنه].
[في قول سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله): إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين:]