الأمر فليس (1) بأمر على الحقيقة، ولا تصاحبه إرادة الفعل، فكيف تصاحبه الإرادة والله تعالى يعلم استحالة وقوع ذلك منهم وتعذره عليهم؟ وإنما التحدي لفظ موضوع لإقامة الحجة على المتحدي، وإظهار عجزه وقصوره عما تحدى به، وليس هناك فعل يتناوله إرادة الأمر بإلقاء الحبال والعصي بخلاف ذلك، لأنه مقدور ممكن. فليس يجوز أن يقال: إن المقصود (2) به هو أن يعجزوا [بها] عن إلقائها، ويتعذر عليهم ما دعوا إليه.
فلم يبق بعد ذلك إلا أنه أمر بشرط.
ويمكن أن يكون على سبيل التحدي بأن يكون دعاهم إلى الإلقاء على وجه يساوونه فيه، ولا يخيلون فيما ألقوه [من] السعي والتصرف من غير أن يكون له حقيقة، لأن ذلك غير مساو لما ظهر على يده (عليه السلام) من انقلاب الجماد (3) حية على الحقيقة دون التخييل، وإذا كان ذلك ليس في مقدورهم فإنما تحداهم به لتظهر حجته وتتوجه دلالته وهذا واضح.
[وقد بين الله تعالى في القرآن ذلك بأوضح ما يكون فقال: * (وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لاجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم لمن المقربين قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا