عليهم ما فعلوا (1) من استرقاقه، إلا أنهم لم يسمعوا منه ولا أصغوا إلى قوله وإن لم ينقل ذلك، فليس كل ما جرى في تلك الأزمان قد اتصل بنا.
ووجه آخر: وهو أن قوما قالوا: إنه خاف القتل، فكتم أمر نبوته وصبر على العبودية. وهذا جواب فاسد، لأن النبي (عليه السلام) لا يجوز أن يكتم ما ارسل (2) به خوفا من القتل، لأنه يعلم أن الله تعالى لم يبعثه للأداء إلا (3) وهو عاصم له من القتل حتى يقع الأداء وتسمع الدعوة، وإلا لكان ذلك نقضا للغرض.
مسألة: فإن قيل (4): فما تأويل قوله تعالى حاكيا عن يوسف (عليه السلام) وامرأة العزيز: * (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين) * (5).
الجواب: إن الهم في اللغة ينقسم إلى وجوه:
منها: العزم على الفعل، كقوله تعالى: * (إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم) * (6) أي أرادوا ذلك وعزموا عليه.
قال الشاعر:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني * تركت على عثمان تبكي حلائله (7) [من الكامل]