تنزيه الأنبياء والأئمة (ع) - فارس حسون كريم - الصفحة ١٠١
هذا على انا قد بينا ان مع تقدير الهاء يكون الكلام محتملا لما ذكرناه، كاحتماله لما ذكروه (1). ومع تقديرنا الذي بيناه يكون الكلام مختصا غير مشترك، فصرنا بالظاهر أولى منهم، وصار للمعنى الذي ذهبنا إليه الرجحان على معناهم. على أن معنى الآية والمقصود منها (2) يدلان على ما ذكرناه، حتى أنا لو قدرنا ما ظنه المخالف لكان ناقضا للغرض في الآية ومبطلا لفائدتها، لأنه تعالى خبر عن إبراهيم (عليه السلام) بأنه قرعهم ووبخهم بعبادة الأصنام، واحتج عليهم بما يقتضي العدول عن عبادتها.
ولو كان مراده بالآية ما ظنوه من أنه تعالى خلقهم وخلق أعمالهم، وقد علمنا أن عبادتهم للأصنام من جملة أعمالهم، فكأنه قال [الله تعالى]: والله خلقكم وخلق عبادتكم للأصنام (3)، لوجب أن يكون عاذرا لهم ومزيلا للوم عنهم، لأن الإنسان لا يذم على ما خلق فيه، ولا يعاتب، ولا يوبخ.
وبعد، فلو حملنا الآية على ما توهموه، لكان الكلام متناقضا من وجه آخر، لأنه قد أضاف العمل إليهم بقوله: * (وما تعملون) *. وذلك يمنع من كونه خلقا لله تعالى، لأن العامل للشئ هو من أحدثه وأخرجه من العدم إلى الوجود، والخلق في هذا الوجه لا يفيد إلا هذا المعنى، فكيف يكون خالقا ومحدثا لما أحدثه غيره وعمله؟! على أن الخلق إذا كان هو التقدير في اللغة، فقد يكون الخالق خالقا لفعل غيره إذا كان مقدرا له ومدبرا. ولهذا يقولون:
خلق الأديم فيمن قدره ودبره، وإن كان ما أحدث الأديم نفسه. فلو حملنا

(1) في " ش ": يكون محتملا لما ذكرنا كاحتمال ما ذكروه.
(2) في " م، ش ": بها.
(3) في " ع ": وخلق عبادة أصنامكم.
(١٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 ... » »»