ولا يخفى ما في كلامه من الدلالة على تخوفه من العامة وجمهور المسلمين أن ينكروا عليه إخراج هذه الصحاح، فاعتذر إليهم بأنه لم يسعه أن يخلى كتابه منها، وجعل الله شهيدا فيما بينه وبينهم على ذلك! وهنا عرفت معنى قول القائل: ما المسلمون بأمة لمحمد... كلا ولكن أمة لعدوه!!
قلت: وهذا القدر كاف لإثبات ما قلناه من أنهم إنما اختلقوا هذا الحديث وأمثاله تداركا لتلك اللعنات! ومما يوجب الأسف أن العامة آثرت أولئك اللعناء المنافقين على نبيها صلى الله عليه وآله من حيث لا تشعر، إذ صححوا هذه الخرافة (أن لعنة النبي رحمة!) صونا للملعونين، ولم يأبهوا بما يلزم ذلك من اللوازم التي لا تليق برسول الله صلى الله عليه وآله.. وما كان للأمة أن تحتفظ بكرامة من لعنهم نبيها لنفاقهم، ونفاهم لإفسادهم، فتضيع على أنفسها المصلحة التي توخاها صلى الله عليه وآله لها في لعنهم وإقصائهم.
أخرج مسلم في آخر باب من لعنة النبي وليس أهلا لذلك ص 393 من الجزء الثاني من صحيحه، بالإسناد إلى ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وآله أمره أن يدعو له معاوية، قال فجئت فقلت هو يأكل، ثم قال لي: إذهب فادع لي معاوية، قال فجئت فقلت: هو يأكل، فقال صلى الله عليه وآله: لا أشبع الله بطنه).
قلت: وجاء في بعض طرقنا إلى ابن عباس في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن معاوية يومئذ. ويدلك على لعنه يومئذ أن مسلما أورد هذا الحديث في باب من لعنه النبي في صحيحه كما سمعت! لكنهم يحرفون الكلم عن مواضعه احتفاظا منهم بكرامة هؤلاء المنافقين!!). انتهى.