الانتصار - العاملي - ج ٥ - الصفحة ٣٨٦
ومع ذلك.. فإن مصرع الحسين كان نذيرا لدولة معاوية الأفاق، وانهارت الدولة بعد ذلك بنصف قرن وسط أفراح الشعب.
ظل الشعب يلعن يزيد بن معاوية وخلفاءه حتى سقطوا، بل إن الشعب انتقم من قادة الجيش الأمويين شر انتقام، فلقي أكثرهم مصرعه بعد أن استشهد الحسين على أيديهم، وهو الإمام والقائد والزعيم السياسي المثالي لأمة العرب في ذلك الحين، والرجل الذي قام برحلته الدامية إلى العراق، وهو يعلم أن ألوف الجنود المرتزقة من جيش يزيد، سوف تلحق به وتحول بينه وبين الاتصال بالشعب.
وكان الحسين يعلم أنه يستشهد لا محالة، هو وأهل بيته، لكنه مضى في طريقه دون خوف أو تردد، وتلك صفات الزعماء الحقيقيين للشعوب.
طلبوا منه أن يسلم نفسه فأبى.. طلبوا منه البيعة ليزيد، فرفض أن يبايع شابا فاسدا شريرا، لا يصلح أن يقود أمة حديثة في طريقها الطويل. وامتشق سيفه، وظل يقاتل جنود الشيطان يزيد، خليفة المسلمين الذي فرضه أبوه معاوية فرضا على الأمة العربية. ولم يكن معه سوى العشرات من الرجال والنساء والأطفال، كل جيشه كان يمكن لفصيلة من الجنود سحقها في لحظات.. لكن الجيش الصغير صمد أياما طويلة وقاتل بقيادة الحسين ببسالة عجيبة مذهلة، لم يشهد تاريخ الشرق أو الغرب مثيلا لها.
كان الحسين عطشان جائعا.. ورجاله يفتك بهم الظمأ مثله، وأطفاله يصرخون في طلب جرعة ماء.. كان الحصار من حوله في كربلاء محكما جدا، ألوف من جنود الشيطان يمنعون عنه وعن عياله الماء..! ومع ذلك قاتل وصمد، ولم يترك سيفه ورمحه إلا بعد أن تمزق جسده بعديد من السيوف والحراب.
(٣٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 391 ... » »»
الفهرست