الأسماء والصفات للبيهقي وهو من أنفس ما كتب في هذا الموضوع، وقد اشتمل بإيجازه على عقائد ابن تيمية ونقده بالعرض على الكتاب والسنة غير أن أنصار الحشوية، عمدوا في الآونة الأخيرة إلى إبعاد الكتاب عن متناول الطالبين فطبعوا كتاب البيهقي مجردا عن هذا التقديم. مع أنه لا يقل عن ذيه لو لم نقل إنه يزيد عليه وزنا وقيمة. فقد أفاض الكلام في معنى العبادة على وجه دقيق نقتبس منه ما يلي:
إن الغلط في تفسير العبادة، المزلقة الكبرى والمزلة العظمى، التي أستحلت بها دماء لا تحصى، وانتهكت بها أعراض لا تعد، وتقاطعت فيها أرحام أمر الله بها أن توصل، عياذا بالله من المزالق والفتن. ولا سيما فتن الشبهات. فاعلم أنهم فسروا العبادة بالإتيان بأقصى غاية الخضوع، وأرادوا بذلك المعنى اللغوي، أما معناها الشرعي فهو أخص من هذا كما يظهر للمحقق الصبار على البحث من استقراء مواردها في الشرع، فإنه الإتيان بأقصى غاية الخضوع قلبا، باعتقاد ربوبية المخضوع له، فإن انتفى ذلك الاعتقاد لم يكن ما أتى به من الخضوع الظاهري من العبادة شرعا، في كثير ولا قليل مهما كان المأتي به ولو سجودا.
ومثل اعتقاد الربوبية اعتقاد خصيصة من خصائصها كالاستقلال بالنفع و الضر، وكنفوذ المشيئة لا محالة ولو بطريق الشفاعة لعابده عند الرب الذي هو أكبر من هذا المعبود. وإنما كفر المشركون بسجودهم لأوثانهم ودعائهم إياهم، وغيرهما من أنواع الخضوع لتحقق هذا القيد فيهم، وهو اعتقادهم ربوبية ما خضعوا له، أو خاصة من خواصها كما سيأتيك تفصيله. ولا يصح أن يكون السجود لغير الله فضلا عما دونه من أنواع الخضوع بدون هذا الاعتقاد، عبادة شرعا (كسجود الملائكة لآدم)، فإنه حينئذ يكون كفرا وما هو كفر فلا يختلف باختلاف الشرائع، ولا يأمر الله عز وجل به * (قل إن الله لا يأمر بالفحشاء) * (الأعراف / 28) * (ولا يرضى لعباده الكفر) * (الزمر / 7) وذلك ظاهر إن شاء الله.
وها أنت ذا تسمع الله تعالى قد قال للملائكة: * (اسجدوا لآدم فسجدوا