ومن ذلك يعلم مفاد قوله سبحانه: * (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين * وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) * (يس / 60 - 61).
فإن من يتبع قول الشيطان فيتساهل في الصلاة والصيام، ويترك الفرائض أو يشرب الخمر ويرتكب الزنا، فإنه بعمله هذا يقترف المعاصي لا أنه يعبده كعبادة الله، أو كعبادة المشركين للأصنام ولأجل ذلك، لا يكون مشركا محكوما عليه بأحكام الشرك، وخارجا عن عداد المسلمين، مع أنه من عبدة الشيطان لكن بالمعنى الوسيع للعبادة الأعم من الحقيقي والمجازي.
وربما يتوسع في إطلاق العبادة فتستعمل في مطلق الإصغاء لكلام الغير، وفي الحديث: " من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق يؤدي عن الله عز وجل فقد عبد الله، وإن كان الناطق يؤدي عن الشيطان فقد عبد الشيطان ". (1) توجيه غير سديد إن بعض من يفسر العبادة بالخضوع والتذلل عندما يقف أمام هذه الدلائل الوافرة، يحاول أن يجيب ويقول: إن سجود الملائكة لآدم أو سجود يعقوب و أبنائه ليوسف، لم يكن عبادة له ولا ليوسف، لأن ذلك كان بأمر الله سبحانه ولولا أمره لانقلب عملهم عبادة لهما.
وهذا التوجيه بمعزل عن التحقيق، لأن معنى ذلك أن أمر الله يغير الموضوع، ويبدل واقعه إلى غير ما كان عليه، مع أن الحكم لا يغير الموضوع.
فإذا افترضنا أنه سبحانه أمر بسب المشرك والمنافق، فأمره سبحانه لا يخرج السب عن كونه سبا، إذن لو كان مطلق الخضوع المتجلي في صورة السجود لآدم، أو ليوسف، عبادة لكان معنى ذلك أنه سبحانه أمر بعبادة غيره، مع أنها فحشاء