مع الله، إما لأهليتهم، أو لترتب التقرب إلى الله زلفى، من دون أمر الله لهم بذلك، قال تعالى: * (وما أنزل الله بها من سلطان) *. (يوسف / 40) إعلم أن الألفاظ اللغوية والعرفية العامة، قد تبقى على حالها من المعاني القديمة، فتلك لا تحتاج إلى بيان، سواء وردت في السنة والقرآن أم لا.
وأما إذا انقلبت عن المعاني الأولية إلى غيرها، أو استعملت في المعاني الثانوية على وجه المجازية، فهي من المجمل المحتاج إلى البيان، كلفظ الصلاة، و الصيام، والحج، فإنه لو لم يبينها الشرع لبقيت على إجمالها، حيث لا يراد منها مطلق الدعاء والإمساك والقصد، بل معنى جديد تتوقف معرفته على بيان و تحديد.
ومن هذا القبيل ما نحن فيه من لفظ العبادة والدعاء ونحوهما، فإنه لا يراد بهما في لحوق الشرك بهما، المعنى القديم، وإلا لزم كفر الناس من يوم أدم إلى يومنا هذا، لأن العبادة بمعنى الطاعة، والدعاء بمعنى النداء والاستعانة بالمخلوق لا يخلو منها أحد.
ومن أطوع من العبد لسيده، والزوجة لزوجها، والرعية لملوكهم، ولا زالوا ينادونهم ويطلبونهم إعانتهم ومساعدتهم، بل الرؤسا، لم يزالوا يستغيثون بجنودهم وأتباعهم ويندبونهم.
فعلم أنه لا يراد بهذه المذكورات المعاني السابقات، وتعينت إرادة المعاني الجديدة.
وقال في تحقيق الدعاء الذي هو مخ العبادة: إن أريد بدعوة غير الله والاستغاثة، إسناد الأمر إلى المخلوق على أنه الفاعل المختار، الذي تنتهي إليه المنافع والمضار، فذلك من أقوال الكفار، والمسلمون بجملتهم براء من هذه المقالة، ومن قائلها، وما أظن أن أحدا ممن في بلاد المسلمين يرى هذا الرأي، ولا سمعناه من أحد إلى يومنا هذا.