المائدة ويتلقى فيها آية تأمره بالتبليغ وتطمئنه بالعصمة من الناس!!
فما عدا مما بدا، حتى نزل الأمر بالتبليغ في آخر التبليغ، وصار النبي الآن وهو قائد الدولة القوية، بحاجة إلى حماية وعصمة من الناس!
إن الباحث ملزم هنا أن يستبعد حاجة النبي صلى الله عليه وآله إلى الحماية المادية، لأن الله تعالى أراد لها أن تتم بالأسباب الطبيعية، وقد وفرها على أحسن وجه، فلا بد أن تكون العصمة هنا من نوع الحماية المعنوية لا المادية.
والباحث ملزم ثانيا، أن يفسر الأمر بالتبليغ في الآية بأنه تبليغ موضوع ثقيل على الناس .. وأن الذين يثقل عليهم هم المنافقون من المسلمين، لأنه لم يبق أمر ثقيل على الكفار إلا وبلغه لهم، كما أنه لم يبلغهم أمرا بارزا بعد نزول الآية يصح تفسيرها به.
وبهذا لا يبقى معنى للعصمة النازلة من عند الله تعالى إلا العصمة من الطعن في نبوته إذا هو بلغهم أن الحكم من بعده في أهل بيته صلى الله عليه وآله.
فبذلك فقط يتسق معنى الآية ويكون معناها:
يا أيها الرسول: إنما أنت رسول مبلغ، ولست مسؤولا عما يحدث، ولا عن النتيجة، بل هو من اختصاص ربك تعالى..
بلغ ما أنزل إليك من ربك: وأمرك به جبرئيل في علي، وحاولت تبليغه مرات في حجة الوداع ، فشوش المنافقون عليك.
وإن لم تفعل فما بلغت رسالته: ولم تكمل إقامة الحجة لربك، لأن ولاية عترتك ليست أمرا شخصيا يخصك وإن ظنه المنافقون كذلك، بل هي جزء لا يتجزأ من هذه الرسالة الخاتمة الموحدة ، وإذا انتفى الجزء من الرسالة.. انتفى الكل، وإذا انتفى الجزء من الحجة.. انتفى الكل.
والله يعصمك من الناس: من طعن قريش بنبوتك بسبب هذا التبليغ مع أنه ثقيل عليها..
فسوف يمنعها الله أن ترفض نبوتك بسببه، وسوف تمر المسألة بسلام, ولا يكون عليك تشويش في التبليغ كما حدث في عرفات ومنى، ولا ردة عن الإسلام.. وتكون أتمت الحجة لربك على أمتك، ولكن عليا سوف يحتاج إلى قتالها على تأويل القرآن كما قاتلتها أنت على تنزيله !