وقد أرسل الله نبينا محمدا صلى الله عليه وآله بنفس نظام الرسالة والتبليغ، الذي أرسل به جميع الأنبياء عليهم السلام وهو قاعدة: إقامة الحجة وإتمامها على الناس، وعدم إجبارهم على العمل.
وهذا هو معنى (فإنما عليك البلاغ) فقط، وفقط!
وهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وآله: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم).
فالإجبار الذي جاء به النبي صلى الله عليه وآله هو إجبار أهل الكتاب على التعايش مع المسلمين، وليس على الدخول في الإسلام، وإجبار المشركين الوثنيين على الدخول في الإطار العام للإسلام.. وما عداه متروك للأمة، داخل هذا الإطار، يطيع منها من يطيع، ويعصي من يعصي، ويهتدي منها من يهتدي، ويضل من يضل.. والمحاسب هو الله تعالى.
ومن الطبيعي إذن، أن تحتاج مهمة التبليغ إلى حماية للنبي صلى الله عليه وآله حتى يؤديها ، وإلا فإن قبائل قريش الذين يدركون خطر دعوته على نفوذهم وآلهتهم، سرعان ما يدبرون قتله، أو تشويه سمعته وعزله، وحجب الناس عن سماع صوته.
ورغم أن الألطاف الإلهية على أنبيائه عليهم السلام كثيرة ومتنوعة، وما خفي عنا منها أعظم وأكثر مما عرفناه، بل مما يمكن أن يبلغه فهمنا..
لكن سنته سبحانه في الرسل أن يترك أكثر حمايتهم للأسباب (الطبيعية) مضافا إلى تلك الألطاف. ولا يوجد دليل واحد على ما ذكروه من ضمان الله تعالى عصمة نبيه صلى الله عليه وآله من الجرح والقتل، وأنواع الأذى التي قد يتعرض لها.. وستأتي النصوص على استمرار حراسته صلى الله عليه وآله إلى آخر حياته، ونذكر هنا ما رواه الجميع من أنه صلى الله عليه وآله كان يطلب من قبائل العرب تأمين هذه الحماية حتى يبلغ رسالة ربه.
ففي سيرة ابن هشام: 2 / 23 عن ربيعة بن عباد، قال:
(إني لغلام شاب مع أبي بمنى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على منازل القبائل من العرب فيقول: يا بني فلان إني رسول الله إليكم يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد، وأن تؤمنوا بي وتصدقوا بي وتمنعوني حتى أبين عن الله ما بعثني به). انتهى. ورواه الطبري في تاريخه: 2 / 83، وابن كثير