في المسجد، فتذاكروا أمر فاطمة، فقال أبو بكر: قد خطبها الأشراف فردهم صلى الله عليه وسلم وقال: أمرها إلى الله، وأن عليا لم يخطبها ولا أدري يمنعه من ذلك إلا قلة ذات اليد، وأن الله ورسوله إنما يحبساها من أجله، ثم أقبل أبو بكر عليهما وقال: هل لكما أن نأتي إلى علي فنذكر له أمرها، فإن منعه من ذلك قلة ذات اليد واسيناه، فأتوا عليا فرأوه ينضح الماء على نخل من الأنصار بأجرة، فقال: ما وراءكم؟ قالوا: يا أبا الحسن إنه لم يبق خصلة من الخير إلا ولك فيها سابقة، وقد خطب الأشراف فاطمة وفوض صلى الله عليه وسلم أمرها إلى الله تعالى، فما خطبك ألا تخطبها وإنا نرجو إنما يحبسها لأجلك، فتغرغرت عينا علي بالدمع، وقال: لقد هيجت لي ساكنا، ووالله إن لي فيها لرغبة ويمنعني من ذلك قلة ما في اليد. فقال أبو بكر: لا تقل ذلك فإن الدنيا عنده هباء منثور.
ثم أقبل علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجده عند أم سلمة، فطرق الباب فقالت: من بالباب؟ فقال (ص) هذا رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فافتحي له. قالت: فداك أبي وأمي من هو؟ قال: هذا أخي وأحب الناس إلي. قالت: فقمت مبادرة أكاد أعثر في مرطي، ففتحت الباب فإذا بعلي بن أبي طالب، فوالله ما دخل علي حتى علم أني رجعت إلى خدري، فدخل فسلم فجلس وجعل يطرق إلى الأرض كأنه طالب حاجة يستحيي أن يسألها، فقال صلى الله عليه وسلم: ابد ما في نفسك فكل حاجاتك مقضية: فقال: فداك أبي وأمي أنت تعلم يا رسول الله إنك أخذتني من عمك: فإن الله تعالى قد هداني بك واستنقذتني عما كان عليه آبائي وأجدادي من الشرك، وأنت ذكري ووسيلتي في الدنيا والآخرة، وقد أحببت ما شد الله به عضدي أن يكون لي بيت وزوجة أسكن إليها وقد أتيتك خاطبا، فتهلل وجه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تبسم في وجه علي، وقال: هل معك شئ تصدقها؟ قال: ما يخفى عليك أمري، ما أملك إلا درعي وسيفي وناضحي،