الشيعة في الإسلام - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ٧٦
والصالحين من عباد الله، الذين نزهوا أنفسهم من كل رجس، فإنهم يستطيعون ادراكه عن طريق المشاهدة، نعم ان تأويل القرآن سوف ينكشف يوم تقوم الساعة.
نحن نعلم جيدا ان احتياج المجتمع المادي، دفع الانسان إلى الكلام، ووضع الكلمات وكذا كيفية الاستفادة من الألفاظ، فالانسان في حياته الاجتماعية مضطر ان يبدي ما في ضميره من مفاهيم إلى أبناء نوعه، ويستمد العون في هذا عن طريق الصوت والأذن، وقلما استفاد من الإشارة أو حركة العين، ومن هنا نجد ان التفاهم لا يحصل بين افراد صم عمي، لان ما يقوله الأعمى لا يسمعه الأصم، وما يقوم به الأصم من الإشارات لا يراها الأعمى، فعلى هذا فان وضع الكلمات، وتسمية الأشياء ما هو الا لرفع الاحتياجات المادية، وقد اصطنعت الكلمات للأشياء والأوضاع والأحوال المادية التي تقع في متناول الحس، أو على مقربة من المحسوس، وكما نشاهد في موارد، إذا كان المخاطب فاقدا لإحدى الحواس، وأردنا التكلم معه عن طريق ذلك الحس المفقود، نلجأ إلى نوع من التمثيل والتشبيه، فعلى سبيل المثال، إذا أردنا ان نصف لشخص أعمى منذ الولادة، النور والضياء، وإذا أردنا ان نصف لطفل لم يبلغ سن البلوغ، لذة العمل الجنسي، فإننا نقوم بنوع من المقارنة والتشبيه المناسب.
فعليه إذا افترضنا ان هناك في الكون واقعيات ليست بمادة (وواقع الامر هكذا) فهناك من البشر في كل عصر، لا يتجاوز عددهم عدد الأصابع، لهم القدرة على ادراكها ومشاهدتها، وهذه الأمور لا يمكن توضيحها للآخرين عن طريق البيان اللفظي والفكر الاعتيادي، ولا يسعنا الإشارة إليه الا بالتمثيل والتشبيه. فالله تعالى يقول في كتابه العزيز انا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون، وانه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم 1 أي لا يتوصل إليه الفهم

(1) سورة الزخرف الآية 3، 4.
(٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 ... » »»