وكما هو واضح ان المعنى الباطني المستفاد من المثالين السابقين، لم يكن مدلولا لفظيا للامر أو النهي بذاته - للذي جعل مجال فكره متسعا - يرجح النظر إلى العالم والكون على النظر في نفسه، وما تنطوي عليه من أنانية وحب للذات.
ومع هذا البيان، يتبين معنى ظاهر القرآن وباطنه، وكذلك يتضح ان باطن القرآن لا يلغي ولا يبطل ظاهره، بل إنه بمنزلة الروح التي تمنح الجسم الحياة، وبما ان الاسلام دين عام شامل وأبدي، يهتم أولا وقبل كل شئ باصلاح المجتمع البشري، ولا يتخلى عن الاحكام الظاهرية والتي مؤداها اصلاح المجتمع وكذا لا يتخلى عن الاعتقادات البسيطة والتي تعتبر حارسة للأحكام المشار إليها.
وكيف يمكن لمجتمع ان ينال السعادة بالاقتناع ان الانسان يكفيه ان يكون منزها، وليس هناك ثمة اعتبار للعمل، ويعيش في حياة محاطة بعدم التنظيم والاستقرار؟
وكيف يمكن لفكر سقيم وأقوال سقيمة ان تخلق قلوبا طاهرة زكية، أو ان يظهر من قلب زكي، أقوال قيمة؟
ويقول تعالى في كتابه العزيز: الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات.
ويقول أيضا: (والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه والذي خبث لا يخرج الا نكدا 1).
ويستفاد مما ذكرنا ان للقرآن الكريم ظاهرا وباطنا، وباطنه أيضا ذو مراتب مختلفة، والحديث هو المبين لمفاهيم القرآن الكريم.