أما سواد أهل السنة وجميع المعتدلين منهم فإنهم بالاجماع يوافقون إخوانهم الشيعة الإمامية في هذه العقيدة، لأن كلا الفريقين يعتقد أن الأولياء والأئمة وجميع من في الأرض لا ينفعونك بشئ إلا بشئ أراده الله لك، ولا يضرونك بشئ إلا بشئ أراده الله لك، فليس لهم تأثير ولا نفع ولا ضرر إلا بإذن الله، وعلى هذا الأساس فزيارة قبور هؤلاء الخواص إنما هو من قبيل التأسي بأخلاقهم والاقتداء بمآثرهم الطيبة والتماس العبرة والعظات في إحياء ذكراهم. وذلك مباح عند الفريقين.
وصورة رابعة أخذت بتلابيب تقديري، بل إعجابي وأنا أطالع كتاب أخي المؤلف، وأعني بها قدرته في تجلية عقائد الإمامية في أسلوب رتيب يفصح عن تأثر الشيعة بالمنهج العقلي. وسبق أن ذكرت أن سبب ذلك راجع إلى تعمق الشيعة في العلوم العقلية بقدر يماثل ما رووه عن أئمتهم من النقليات. وهذا أيضا يدلنا دلالة قاطعة على الروابط المتينة التي كانت بين التشيع والاعتزال وبين أعيان الشيعة وأعيان المعتزلة.
وإن من يراجع كتابنا " الصاحب بن عباد " يرى إلى أي حد كان أعيان الشيعة هم أعيان المعتزلة، وأعيان المعتزلة هم أعيان الشيعة إلا فيما شذ منهم. ولقد بلغت هذه الروابط قمة التأثر المزدوج بين الطائفتين في أواسط القرن الرابع الهجري، ووصلت إلى منتهاها في شخصية " الصاحب بن عباد " الذي تولى زعامتي الاعتزال والتشيع في النصف الثاني من ذلك القرن الذي تسنمت فيه الحضارة الإسلامية مكان الذروة.
فإذا ما تعرض المؤلف الكريم للحديث عن (توحيد الصفات) " ص 14 " في ذات الله تعالى فإنه يذكرنا بعقيدة المعتزلة في القول