فكثيرا ما ترتبط المشاعر بين الباحثين والقراء وتتوحد أهدافهم في الحكم على الأفكار والمعاني لأن الحق واحد لا يتعدد ما دام القائلون به والحاكمون عليه يرسلون أحكامهم من زاوية عقولهم قبل قلوبهم، وأفئدتهم قبل أهوائهم، وما داموا ينصفون ولا يتعصبون.
ومن هذه الصور التي تستوقف القارئ مسألة القول ب " الاجتهاد " عند الإمامية. فإن الصورة المتوارثة عن جهابذة أهل السنة أن الاجتهاد قفل بابه بأئمة الفقه الأربعة: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وابن حنبل. هذا إذا عنينا الاجتهاد المطلق. أما ما حاوله الفقهاء بعد هؤلاء من اجتهاد لا يعدو أن يكون اجتهادا في المذهب أو اجتهادا جزئيا في الفروع. وأن هذا ونحوه لا يكاد يتجاوز عند أهل السنة القرن الرابع بحال من الأحوال أما ما جاء عن الغزالي في القرن الخامس، وأبو طاهر السلفي في القرن السادس، وعز الدين بن عبد السلام وابن دقيق العيد في القرن السابع، وتقي الدين السبكي والمبتدع (1) ابن تيمية في القرن الثامن، والعلامة جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي في القرن التاسع.. فإن هذا ونحوه لا يتجاوز - في نظر المنهج العلمي الحديث - باب الفتوى ولا يدخل في شئ من الاجتهاد، وهو القدر الذي أوضحناه في كتابنا " تاريخ التشريع الاسلامي في مصر ".