ومن هنا أستطيع أن أجلي للقارئ المتدبر أن التشيع ليس كما يزعمه المخرفون والسفيانيون من الباحثين مذهبا نقليا محضا أو قائما على الآثار الدينية المشحونة بالخرافات والأوهام والإسرائيليات، أو مستمدا في مبادئه من عبد الله بن سبأ وغيره من الشخصيات الخيالية في التاريخ، بل التشيع - في نظر منهجنا العلمي الحديث - على عكس ما يزعمه الخصوم تماما، فهو المذهب الاسلامي الأول الذي عنى كل العناية بالمنقول والمعقول جميعا، واستطاع أن يسلك بين المذاهب الإسلامية طريقا شاملا واسع الآفاق. ولولا ما امتاز به الشيعة من توفيق بين " المعقول " و " المنقول " لما لمسنا فيهم هذه الروح المتجددة في الاجتهاد وتطوير مسائلهم الفقهية مع الزمان والمكان بما لا يتنافى مع روح الشريعة الإسلامية الخالدة.
ودعني أعرض عليك " صورة ثالثة " قد يخيل إليك أنها تتنافى مع المنهج العقلي الذي حدثناك عنه في الصورة السالفة، ألا وهي عناية الشيعة بزيارة القبور وزيارة أضرحة الأولياء والأئمة من آل البيت وتعبدهم بجوار مقاماتهم كإقامة الصلوات المفروضة ونشر مجالس العلم وإحياء ذكرى أئمتهم الاثني عشر، فإن شيئا من ذلك في نظر المعاصرين من المسلمين والتجريبيين الآخذين بالعقل والرأي يعتبر أباطيل وخرافات بل هناك من الفرق الإسلامية من يعتبر ذلك كفرا ومروقا من الدين ولا سيما أتباع أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، واتباع تلميذه التاريخي محمد بن عبد الوهاب النجدي مؤسس المذهب الوهابي، وغير هؤلاء جماعة من معاصرينا نترفع بالقلم عن ذكرهم.