ولعلك بما قدمته لك من بيان ضاف تكون وقفت معي على ما في عقائد الإمامية من وجاهة في قولهم بالبداء، وما في تفكيرهم من عمق في الحكم به لأن معناه - في نظري - أن الله سبحانه يطور خلقه وفق مقتضيات البيئة والزمان اللذين خلقهما وأودع فيهما سر التأثير على خلقه - ولو ظاهرا - إن القول بالبداء هو المقالة الوحيدة التي نستطيع بهديها أن نفسر لك سر الناسخ والمنسوخ في القرآن، كالحكمة فيما ورد من آيات تحريم الحمر، وكيف تدرج ذلك التحريم في صورة مراحل ليعالج سبحانه بذلك اعوجاج النفس البشرية ويخلصها من قيود العادة المستحكمة شيئا فشيئا حتى يتحقق لهذه النفس صلاحها، ولو حرمها مرة واحدة لكان في ذلك ما فيه من مشقة على النفس! فذلك هو اعتقاد الإمامية في البداء.
ويسرني أن أنوه في هذا المقام ما أزمع القيام به من تقريب بين المذاهب الإسلامية في كتاب مفرد أرجو بتوفيق من الله أن أوضح فيه إلى أي حد تنفق هذه المذاهب في الجوهر والأهداف وإن اختلفت في المظهر والطرائق.
وبعد فإني أهنئ الأستاذ المؤلف فيما وفق فيه من الجمع بين المنقول والمعقول في عرض عقائد الإمامية، وفيما أتحف به قراء العربية من ثقافات عقيدية عن الإمامية جمع فيها بين الاحتجاج للرأي والإجادة في الأداء. وفي هذا القدر كفاية لمن أوتي حظا من الإنصاف والتأمل.
دكتور حامد حفني داود أستاذ الأدب العربي بكلية الألسن والمشرف على الدراسات الإسلامية بجامعة " عليكرة " بالهند القاهرة في 17 / 6 / 1381 ه 25 / 11 / 1961 م