تفسير القرآن قليلا جدا، وهو وإن كان في التابعين أكثر منه في الصحابة فهو قليل بالنسبة إلى من بعدهم، وكلما كان العصر أشرف كان الاجتماع والائتلاف والعلم والبيان فيه أكثر. ومن التابعين من تلقى جميع التفسير عن الصحابة كما قال مجاهد: عرضت المصحف على ابن عباس أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها، ولهذا قال الثوري: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به، ولهذا يعتمد على تفسيره الشافعي والبخاري وغيرهما من أهل العلم، وكذلك الإمام أحمد وغيره من صنف في التفسير يكرر الطرق عن مجاهد أكثر من غيره، والمقصود أن التابعين تلقوا التفسير عن الصحابة كما تلقوا عنهم علم السنة، وإن كانوا قد يتكلمون في بعض ذلك بالاستنباط والاستدلال كما يتكلمون في بعض السنن بالاستنباط والاستدلال " (1).
وأنك ترى مما يخال أننا بلغنا حدود الإسهاب بنقله من أقوال العلماء والمفسرين، أن علماء المسلمين لم يلقوا الحبل على الغارب في تفسير كتابهم المجيد، ولم يفسروا آية بمحض الرأي والهوي، ولا أهملوا التدبر فيه، ولا أخذوا بقول من أخذوا فيه إلا من اطمأنوا إلى عدالته ووثقوا بصحة نقله، كما أنهم لم يحجروا على العقول استنباط ما يمكن استنباطه مما لا يخرج عن مبني الكتاب العزيز ومعناه ولا يخالف سنن اللغة، ولم يسكتوا عن تخريج المجروح وتعديل العدل، ولا قبلوا إسرائيليات كعب الأحبار وأضرابه، وما إلى ذلك مما نعاه عليهم صاحب التوضيح، وهل من الاحتياط للدين والوصول إلى اليقين أو ما يقرب من اليقين أن يضرب عرض الحائط برواية العدل عمن عاصر التنزيل وصحب من نزل به عليه، جبريل، وهو بعد في جدة الإسلام وفي الزمن الذي لم تمتد به يد الانقسام، وهو من أهل اللسان الذي تنزل به البيان، وهو جد واقف على أسباب النزول، وعازف بما تلقاه من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من بيان مجمله ومعرفة محكم آية، ومتشابهه، وخاصه، وعامه، وناسخه، ومنسوخه، وفحوى خطابه ولحنه، وما إلى ذلك مما تراه واضحا من مضامين ما نقلناه من كلمات أئمة