من الكلام في موضوعات اللغة وأحكام الإعراب والبلاغة في التراكيب، بعد أن كانت ملكات العرب لا يرجع فيها إلى نقل ولا كتاب، فتنوسي ذلك وصارت تتلقى من كتب أهل اللسان، فاحتيج إلى ذلك في تفسير القرآن لأنه بلسان العرب وعلى منهاج بلاغتهم، فصار التفسير على صنفين، تفسير نقلي مستند إلى الآثار المنقولة عن السلف وهي معرفة الناسخ والمنسوخ وأسباب النزول ومقاصد الآي، وكل ذلك لا يعرف إلا بالنقل عن الصحابة والتابعين، وقد جمع المتقدمون في ذلك وادعوا إلا أن كتبهم ومنقولاتهم تشتمل على الغث والسمين والمقبول والمردود. والسبب في ذلك أن العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم، وإنما غلبت عليهم البداوة والأمية، وإذا تشوقوا إلى شئ مما تتشوق إليه النفوس البشرية في أسباب المكونات وبدء الخليقة وأسرار الوجود، فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم ويستفيدونه منهم، وهم أهل التوراة من اليهود ومن تبع دينهم من النصارى، وأهل التوراة الذين بين العرب يومئذ بادية مثلهم ولا يعرفون من ذلك إلا ما تعرفه العامة من أهل الكتاب ومعظمهم من حمير الذين أخذوا بدين اليهودية، فلما أسلموا بقوا على ما كان عندهم مما لا تعلق له بالأحكام الشرعية التي لا يحتاطون لها، مثل أخبار بدء الخليقة وما يرجع إلى الحدثان والملاحم وأمثال ذلك، وهؤلاء مثل كعب الأحبار، ووهب بن منبه، وعبد الله ابن سلام وأمثالهم، فامتلأت التفاسير من المنقولات عندهم في أمثال هذه الأعراض أخبار موقوفة عليهم وليست مما يرجع إلى الأحكام فتتحرى في الصحة التي يجب بها العمل، وتساهل المفسرون في مثل ذلك وملأوا كتب التفاسير بهذه المنقولات، إلى أن قال: فلما رجع الناس إلى التحقيق والتمحيص وجاء أبو محمد بن عطية من المتأخرين بالمغرب، فلخص تلك التفاسير كلها وتحرى ما هو أقرب إلى الصحة منها إلى كلام طويل بهذا المضمون لا يتعلق لنا غرض بنقله، فأنت ترى من هذه الجملة مصدر تلك المنقولات، وأنها من أقاصيص الإسرائيليين، وأن ناقليها إلى المسلمين في نضارة الإسلام، هم من الإسرائيليين وسواهم من تشرفوا بدخول الإسلام وأن تلقي من تلقاهم منهم بالقبول كان لحسن ظنه بالناقلين، وأن إهمال تمحيصها
(٩٣)