القاديانية - سليمان الظاهر العاملي - الصفحة ١٢٣
وبعد فإن جل الأخبار التي رواها القصاصون والمغرمون بالأساطير والإسرائيليات أعرض عنها المحققون ونقدة الأخبار، وماذا يضير المسلمين إذا تمسك بها المبشرون ليجادلوا بها ضعفاء المسلمين، وقد أفسدها حملة العلم منهم ولم يرد بها نص من الكتاب الذي هو والسنة الصحيحة حجة لهم وعليهم، ومن زعم أن المفسرين معصومون لا يخطئون وأن كل ما قالوه - وقد يكون في الكثير منه ما يناقض بعضه بعضا - واجب الاتباع وقلنا مرارا: إن تفسير القرآن بما لا يخرج عن أساليبه وأساليب العرب ولا يخالف الحقائق الطبيعية والكونية والاجتماعية والقواعد العقلية والسمعية المقررة ليس من المحظور، وأن للرأي إذا لم يخالف ذلك كله وكان فيه الكشف عن أسراره التي لا تتناهى مجالا واسعا للتأويل، وأنه لم يصح عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن فسر كل آي القرآن لأصحابه حتى ما يتمكن من فهمه العامة والخاصة من أهل اللسان. قال الرافعي في هامش كتابه إعجاز القرآن.
" قد ثبت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبض ولم يفسر من القرآن إلا قليلا، وهذا وحده يجعل كل منصف يقول: أشهد أن محمدا رسول الله، إذ لو كان (صلى الله عليه وآله وسلم) فسر للعرب بما يحتمله زمنهم وتطيقه أفهامهم لجمد القرآن جمودا تهدمه عليه الأزمنة والعصور بآلاتها ووسائلها، فإن كلام الرسول نص قاطع، ولكنه ترك تاريخ الإنسانية يفسر كتاب الإنسانية، فتأمل حكمة ذلك السكوت، فهي إعجاز لا يكابر فيه إلا من قلع مخه من رأسه " (1).
وأما ما أطال فيه صاحب التوضيح الكلام في تجويز التفسير وإيراده كلمات بعض العلماء في هذا المعنى فلا نناقشه فيه، وقد ذكرنا الشئ الكثير منه في تضاعيف، هذه المباحث بما لا زيادة فيه لمستزيد، بيد أن ذلك لا يعني فتح باب دعوى النبوة للوصول إليه، وهو مما لم يجهله العلماء الذين جمعوا مزايا الاجتهاد والاستنباط، وفي ذلك عناية بأمر الكتاب وامتحان للعقول في تدبر آياته وتدارسه، وحسبك ما انبثق من هذه العناية ومن هذا التوفر على تفهم

(١) إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، مصطفى صادق الرافعي، دار الكتاب العربي، ص 14.
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»
الفهرست