القاديانية - سليمان الظاهر العاملي - الصفحة ١١٥
أبدا إلى يوم القيامة فقط، وأنه لا بشرى يومئذ للمجرمين، فإذ لا شك في هذا كله فقد علمنا ضرورة أنه لا يخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما: إما أن هاروت وماروت لم يكونا ملكين وأن (ما) في قوله: (وما أنزل على الملكين) نفي لأن ينزل على الملكين، ويكون هاروت وماروت حينئذ بدلا من الشياطين كأنه قال: ولكن الشياطين هاروت وماروت ويكون هاروت وماروت قبيلتين من قبائل الجن كانا يعلمان الناس السحر، وقد روينا هذا القول عن خالدين أبي عمران وغيره، وروي عن الحسن البصري أنه كان يقرأ على الملكين بكسر اللام، وكان يقول: إن هاروت وماروت علجان من أهل بابل، إلا أن الذي لا شك فيه على هذا القول أنهما لم يكونا ملكين. وأما أن يكون هاروت وماروت ملكين نزلا بشريعته حق بعلم ما على أنبياء، فعلماهم الدين وقالا لهم: لا تكفروا نهيا عن الكفر بحق، وأخبراهم أنهم فتنة يضل الله تعالى بهما وبما أتيا به من كفر به ويهدي بهما من آمن به، قال تعالى عن موسى أنه قال له: (إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء) [الأعراف / 155] وكما قال تعالى: (ألم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) [العنكبوت / 2] ثم نسخ ذلك الذي أنزل على الملكين، فصار كفرا بعد أن كان إيمانا، كما نسخ تعالى شرائع التوراة والإنجيل فتمادت الجن على تعليم ذلك المنسوخ، وبالجملة فما في الآية من نص ولا دليل على أن الملكين علما السحر وإنما هو إقحام أقحم بالآية بالكذب والإفك، بل وفيها بيان أنه لم يكن سحرا بقوله تعالى: (ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل) [البقرة / 102] ولا يجوز أن يجعل المعطوف والمعطوف عليه شيئا واحدا إلا ببرهان من نص أو إجماع أو ضرورة وإلا فلا أصلا، وأيضا فإن بابل هي الكوفة وهي بلد معروف بقربها محدودة معلومة ليس فيها غار فيه ملك فصح أنه خرافة موضوعة، إذ لو كان ذلك لما خفي مكانهما على أهل الكوفة فبطل التعلق بهاروت وماروت.
وبعد فهذا على طوله غيض من فيض مما أول به الآية المحققون من المفسرين، وغرضنا من نقله أحد أمرين: أولهما وجوب عصمة الملائكة،
(١١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 ... » »»
الفهرست