السحر.. ببابل هاروت وماروت) ويكون قوله: ببابل هاروت وماروت من المؤخر الذي معناه التقديم، ويكون على هذا التأويل هاروت وماروت رجلين من جملة الناس هذان أسماؤهما، إنما ذكرا بعد ذكر الناس تمييزا وتبيينا، ويكون الملكان المذكوران اللذان نفي عنهما السحر جبرائيل وميكائيل (عليهما السلام) إلى سليمان بن داود (عليه السلام) فأكذبهما الله تعالى بذلك، ويجوز أن يكون هاروت وماروت يرجعان إلى الشياطين كأنه قال: ولكن الشياطين هاروت وماروت كفروا ويسوغ ذلك كما ساغ في قوله تعالى (وكنا لحكمهم شاهدين) [الأنبياء / 78] ويكون قوله على هذا التأويل (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة) راجعا إلى هاروت وماروت اللذين هما من الشياطين أو من الإنس المتعلمين للسحر من الشياطين والعاملين، به، ويجوز أيضا على هذا التأويل الذي يتضمن النفي والجحد أن يكون هاروت وماروت اسمين لملكين ونفي عنهما إنزال السحر بقوله: (وما أنزل على الملكين) ويكون قوله: وما يعلمان من أحد يرجع إلى قبيلتين من الجن أو إلى شياطين الجن والإنس فتحسن التثنية لهذا، وقد روي هذا التأويل الأخير في حمل ما على النفي عن ابن عباس وغيره من المفسرين، وروي عنه أيضا أنه كان يقرأ وما أنزل على الملكين بكسر اللام ويقول: متى كانا العلجان ملكين بل كانا ملكين.
هذا ما أوجزناه عن أمالي الشريف المرتضى ولخصناه من بحث استغرق عدة صفحات لم يعرض فيه إلى تلك الأسطورة التي تعلق بها صاحب التوضيح، وموهما أنها مما ارتضاه مفسرو المسلمين، ونرى من المفيد أن ننقل عن فصل ابن حزم ما يتضمن الاعتقاد بعصمة الملائكة وإنكار تلك الأسطورة الإسرائيلية وتأويل الآية بما يكاد يكون إجمالا لما فصله الشريف المرتضى، قال في (الجزء الرابع ص 42): قد ذكرنا قبل أمر هاروت وماروت ونزيدها هنا بيانا في ذلك.
إن قوما نسبوا إلى الله ما لم يؤت به قط إثرى أن يشتغل به وإنما هو كذب مفترى، من أنه تعالى أنزل إلى الأرض ملكين وهما هاروت وماروت، وأنهما عصيا الله تعالى وشربا الخمر، وقتلا النفس وزنيا، وعلما