الناس وأمرهم جميع وكلمتهم واحدة، لتشتتهم وتحمل بعضهم على بعض؟ قال: كلا، ما أتيت لذلك ولكن أهل المصر زعموا أن أباك قتل خيارهم، وسفك دماءهم، وعمل فيهم أعمال كسرى وقيصر، فأتيناهم لنأمر بالعدل وندعوا إلى حكم الكتاب.
قال: وما أنت وذاك يا فاسق، أولم نكن نعمل بذاك فيهم إذ أنت بالمدينة تشرب الخمر؟ قال: أنا أشرب الخمر؟! والله إن الله يعلم أنك غير صادق، وإنك قلت بغير علم، وأني لست كما ذكت، وإن أحق بشرب الخمر مني من يلغ في دماء المسلمين ولغا، فيقتل النفس التي حرم الله قتلها، ويقتل النفس بغير النفس، ويسفك الدم الحرام، ويقتل على الغضب والعداوة وسوء الظن، وهو يلهو ويلعب كأن لم يصنع شيئا. فقال ابن زياد: يا فاسق إن نفسك تمنيك ما حال الله دونه ولم يرك أهله، قال:
فمن أهله يا بن زياد؟ قال: أمير المؤمنين يزيد. قال: الحمد لله رضينا بالله حكما بيننا وبينكم. قال: كأنك تظن أن لكم في الأمر شيئا؟ قال: ما هو الطن ولكنه اليقين، قال:
قتلني الله إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الإسلام! قال: أما إنك أحق من أحدث في الإسلام حدثا لم يكن منه، أما إنك لا تدع سوء القتلة، وقبح المثلة، وخبث السريرة، ولؤم الغلبة لأحد أحق بها منك، فأخذ ابن زياد يشتمه ويشتم عليا وحسينا وعقيلا، وأخذ مسلم بالسكوت والإعراض عنه، فقال ابن زياد، اصعدوا به فوق القصر، وادعوا بكير بن حمران الأحمري الذي ضربه مسلم، فصعدوا به، وأحضر بكير فأمره أن يضرب عنقه ويتبع برأسه جسده من أعلى القصر، فصاح مسلم بمحمد بن الأشعث: قم بسيفك دوني فقد أخفرت ذمتك، أما والله لولا أمانك ما استسلمت. فأعرض محمد، وجعل مسلم يسبح الله ويقدسه ويكبره ويستغفره، ويصلي على أنبياء الله وملائكته ويقول: اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وكذبونا وأذلونا، فأشرف به من على القصر، فضربت عنقه واتبع جسده رأسه، ونزل بكير فقال له ابن زياد: وما كان يقول؟ قال: إنه كان يسبح ويستغفر، فلما أدنيته قلت: