فقال محمد: أرجو أن لا يكون عليك بأس، فقال: ما هو إلا الرجاء، أين أمانكم؟! إنا لله وإنا إليه راجعون وبكى، فقال عمرو السلمي: إن من يطلب مثل الذي تطلب إذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك، فقال: إني والله ما لنفسي أبكي ولا لها من القتل أرثي، وإن كنت لم أحب لها طرفة عين تلفا، ولكن أبكي لأهلي المقبلين إلي، أبكي لحسين وآل حسين، ثم قال لمحمد بن الأشعث: يا عبد الله إني أراك ستعجز عن أماني، فهل عندك خير؟ أتستطيع أن تبعث من عندك رجلا على لساني يبلغ حسينا، فإني لأراه قد خرج إليكم اليوم مقبلا أو هو خارج غدا وأهل بيته معه، وإن ما ترى من جزعي لذلك، فيقول: إن مسلما بعثني إليك وهو في أيدي القوم أسير لا يرى أن يمسي حتى يقتل وهو يقول: إرجع بأهل بيتك ولا يغرك أهل الكوفة فإنهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل، إن أهل الكوفة قد كذبوك وكذبوني، وليس لمكذوب رأي، فقال محمد: والله لأفعلن ولأعلمن ابن زياد إني قد آمنتك.
قال جعفر بن حذيفة الطائي: فبعث محمد أياس بن العتل الطائي من بني مالك ابن عمرو بن ثمامة وزوده وجهزه ومتع عياله، وأرسله للحسين فاستقبله بزبالة (1) لأربع ليال بقين من الشهر، وكان عبيد الله بن زياد بعث رئيس الشرطة الحصين بن تميم التميمي في نحو من ألفي فارس فأطافوا بالطف ونظموا المسالح ومنعوا الداخل والخارج، فهم على خط واحد فلم تحصل له فرصة إلا ذلك الزمن.
قال أبو مخنف: ثم أقبل محمد بن الأشعث بمسلم إلى باب القصر فاستأذن فأذن له، فأخبر عبيد الله بخبر مسلم وضرب بكير إياه، فقال: بعدا له، فأخبره بأمانه، فقال:
ما أرسلناك لتؤمنه إنما أرسلناك لتأتي به. فسكت. وانتهى مسلم إلى باب القصر وهو عطشان، وعلى باب القصر أناس ينتظرون الإذن منهم: عمارة بن عقبة بن أبي معيط،