تقديم هذا ديوان لم يجمعه صاحبه، ولا عني به أبناؤه في حياته، ولا بعد وفاته، وأقوى الظن أن القصائد التي فيه لا تمثل إلا أقل القليل من مجموع ما قال من الشعر، ذلك لأن سيدنا الرضا، رحمه الله، كان مبكر النبوغ في جملة جوانب، أحدها الشعر، فهو قد بلغ مرتبة الاجتهاد في الفقه والأصول ولما يتخط العقد الثالث من عمره، واشتهر في العلوم المصاحبة لعلوم الدين قبل أن يتعدى ريعان الشباب، وفي مؤلفاته المتعددة الجوانب دليل على ذلك، ولم يكن سيدنا الرضا مقلا في نظم الشعر، فقد كان الشعر متنفسا له ولأمثاله من ذوي المواهب التي هذبتها المتابعة، وأصلتها المراجعة، وما إحاطته بأشعار العرب، على اختلاف عصورهم، ومعرفته بأسرار البلاغة وفنونها إلا القوادم والخوافي التي كست أجنحة موهبته، فمكنتها من التحليق عاليا في آفاق الشعر، حين ينظمه وحين ينقده وينظر فيه، لذلك فإن موافقتنا على أن القصائد التي ضمها هذا الديوان هي كل شعره، مجانبة للحق، ومخالفة لمنطق الأشياء، فأين كل شعره؟؟
من المعروف، ليس في النجف وحدها، بل في حواضر المسلمين كلها، أن العلماء الروحانيين يعدون الشعر، مهما كان عاليا، أدنى فضائلهم وأيسر كمالاتهم، وقد قالوا قديما: الشعر أدنى مروءة